عقيل وغيره، وعن الزهري عن عروة، عن عائشة: قال النبي ﷺ للمسلمين بمكة: "قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين". وهما الحرتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة عند ذلك، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين، وتجهز أبو بكر مهاجرا، فقال له رسول الله ﷺ:"على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي". فقال أبو بكر: وترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال:"نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ﷺ ليصحبه، وعلف راحلتين عنده ورق السمر أربعة أشهر. أخرجه البخاري (١).
وقال البكائي، عن ابن إسحاق، قال: فلما أذن الله لنبيه في الحرب وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة، أمر رسول الله ﷺ قومه بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بالأنصار، فخرجوا أرسالا، فكان أول من هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد إلى المدينة، هاجر إليها قبل العقبة الكبرى بسنة، وقد كان قدم من الحبشة مكة، فآذته قريش، وبلغه أن جماعة من الأنصار قد أسلموا، فهاجر إلى المدينة.
فعن أم سلمة، قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج رحل لي بعيره، ثم حملني وابني عليه، ثم خرج بي يقودني. فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد! فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه، وغضب عند ذلك رهط أبي سلمة، فقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا.
فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، فانطلق زوجي إذ فرقوا بيننا، فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فلا أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها. حتى مر بي رجل من بني عمي فرحمني، فقال: ألا تحرجون من هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين ولدها؟ فقالوا لي: الحقي بزوجك. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني. فارتحلت بعيري، ثم وضعت سلمة في حجري، وخرجت أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله، قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة العبدري، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة. قال: أوما معك أحد؟ قالت: لا والله إلا الله وبني هذا. قال: والله
(١) صحيح: أخرجه البخاري "٣٩٠٥" حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، به في حديث طويل.