المولى الإمام العلامة البليغ، القاضي الفاضل، محيي الدين، يمين المملكة، سيد الفصحاء، أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد بن المفرج، اللخمي، الشامي، البيساني الأصل، العسقلاني المولد، المصري الدار، الكاتب، صاحب ديوان الإنشاء الصلاحي.
ولد سنة تسع وعشرين وخمس مائة.
سمع في الكهولة من أبي طاهر السلفي، وأبي محمد العثماني، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي الطاهر بن عوف، وعثمان بن فرج العبدري.
وروى اليسير.
وفي انتسابه إلى بيسان تجوز، فما هو منها، بل قد ولي أبوه القاضي الأشرف أبو الحسن قضاءها.
انتهت إلى القاضي الفاضل براعة الترسل وبلاغة الإنشاء، وله في ذلك الفن اليد البيضاء، والمعاني المبتكرة، والباع الأطول، لا يدرك شأوه، ولا يشق غباره، مع الكثرة.
قال ابن خلكان: يقال إن مسودات رسائله ما يقصر عن مائة مجلد، وله النظم الكثير. أخذ الصنعة عن الموفق يوسف بن الخلال صاحب الإنشاء للعاضد، ثم خدم بالثغر مدةً، ثم طلبه ولد الصالح بن رزيك، واستخدمه في ديوان الإنشاء.
قال العماد: قضى سعيدًا، ولم يبق عملًا صالحًا إلَّا قدمه، ولا عهدًا في الجنة إلَّا أحكمه، ولا عقد بر إلَّا أبرمه، فإن صنائعه في الرقاب، وأوقافه متجاوزة الحساب، لا سيما أوقافه لفكاك الأسرى، وأعان المالكية والشافعية بالمدرسة، والأيتام بالكتاب، كان للحقوق قاضيًا، وفي الحقائق ماضيًا، والسلطان له مطيع، ما افتتح الأقاليم إلَّا بأقاليد آرائه، ومقاليد غناه وغنائه، وكنت من حسناته محسوبًا، وإلى آلائه منسوبًا، وكانت كتابته كتائب النصر، ويراعته رائعة الدهر، وبراعته باريةً للبر، وعبارته نافثةً في عقد السحر، وبلاغته للدولة مجملةً، وللمملكة مكملةً، وللعصر الصلاحي على سائر الأعصار مفضلةً. نسخ أساليب القدماء بما أقدمه من الأساليب، وأعربه من الإبداع، ما ألفيته كرر دعاءً في مكاتبة، ولا ردد
(١) ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "٣/ ترجمة ٣٧٤"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٦/ ١٥٦ - ١٥٨" وشذرات الذهب لابن العماد "٤/ ٣٢٤ - ٣٢٧".