للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٧٣ - يحيى بن مُجَاهِد (١):

ابن عوانة، أبو بكر الفزاري الأندلسي، الإلبيري، الزاهد.

ذكره ابن بشكوال في غير الصلة فقال: زاهد عصره، وناسك مصره، الذي به يتبرَّكون، وإلى دعائه يفزعون.

كان منقطع القرين، مجاب الدَّعوة، جربت دعوته في أشياء ظهرت، حجَّ وعُنِيَ بالقراءات والتفسير، وله حظّ من الفقه، لكن غلبت عليه العبادة.

وقد جمع يونس بن عبد الله كتابًا في فضائله.

وذكره عمر بن عفيف فقال: كان من أهل العلم والزهد والتقشُّف والعبادة وجميل المذهب، لم تر عيني مثله في الزهد والعبادة، يلبس الصوف، ويمشي حافيًا مرة، وينتعل مرة، فحدَّثني محمد بن أبي عثمان، عن أبيه، أن الحكم المستنصر بالله أحبَّ أن يجتمع بيحيى بن مجاهد الزاهد، فلم يقدر عليه، ووجَّه إليه مَنْ يَتلطف به ويستعطفه، فقال: ما لي إليه حاجة، وإنما يدخل على السلطان الوزارء وأهل الهيئة، وأيش يعمل بأصحاب الأطمار الرثَّة، فوجَّه إليه الحكم جبة صوف، وغفارة، وقميصًا من وسط الثياب، ودنانير، فلمَّا نظر إليها قال: ما لي ولهذه?! ردوها على صاحبها، ولئن لم يتركوني سافرت، فيئس من لقائه وتركه، وكان يجلس إلى مؤدِّب بالجامع يأنس به.

قال ابن حَيَّان: أخبرني أبي خلف قال: كنت يومًا في حلقة الأستاذ أبي الحسن الأنطاكي في الجامع، وإذا بحس في المقصورة، فخرج منها فتًى وبيده كرسي جلد، فجاء حتى وقف على الشيخ، ووضع الكرسي على مقربة منه، وقال: أمير المؤمنين يخرج الساعة، ويقول لك: لا تقم، ولا تتغيِّر إكرامًا لمجلسك، وإعظامًا لما أنت عليه، فلم يلبثو إلَّا يسيرًا، وإذا برجَّة في المقصورة، فإذا الفتيان والعبيد قد خرجوا، والحكم معهم، فجاء وسلَّم، فردَّ عليه السلام، وبقي القارئ يقرأ على حالته التي كانت، ولم يتجرَّأ أحد يتغير عن مكانه، وإذا السفرة من العبيد والفتيان من أمير المؤمنين إلى الباب، ومن الباب إلى أمير المؤمنين، فقام وسلَّم وخرج.

قال ابن حيان: فاتبعته، فركب فرسًا، وكبار القوَّاد حوله، فجاء حتى وقف على ابن مجاهد وهو يقرأ في المصحف، فسلَّم عليه أمير المؤمنين، فقال: السلام عليك يا أبا بكر. فقال: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ودعا له دعوات يسيرة، ثم أقبل على مصحفه، ورجع أمير المؤمنين إلى منزله.

توفِّي ابن مجاهد في جمادى الآخرة سنة ست وستين وثلاث مائة، وهو ابن سبعين سنة أو نحوها.


(١) ترجمته في طبقات المفسرين للداوودي "٢/ ٣٧٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>