للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٣٤ - عدي (١):

لشيخ الإمام الصالح القدوة، زاهد وقته، أبو محمد، عدي بن صخر الشامي، وقيل: عدي بن مسافر وهذا أشهر ابن إسماعيل بن موسى الشامي، ثم الهكاري مسكنًا.

قال الحافظ عبد القادر: ساح سنين كثيرةً، وصحب المشايخ، وجاهد أنواعًا من المجاهدات، ثم إنه سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس به أنيس، ثم آنس الله تلك المواضع به، وعمرها ببركاته، حتى صار لا يخاف أحد بها بعد قطع السبل، وارتد جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمر حتى انتفع به خلق، وانتشر ذكره، وكان معلمًا للخير، ناصحًا متشرعًا، شديدًا في الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، عاش قريبًا من ثمانين سنة، ما بلغنا أنه باع شيئًا ولا اشترى، ولا تلبس بشيء من أمر الدنيا، كانت له غليلة يزرعها بالقدوم في الجبل، ويحصدها، ويتقوت، وكان يزرع القطن، ويكتسي منه، ولا يأكل من مال أحد شيئًا، وكانت له أوقات لا يرى فيها محافظةً على أوراده، وقد طفت معه أيامًا في سواد الموصل، فكان يصلي معنا العشاء، ثم لا نراه إلى الصبح، ورأيته إذا أقبل إلى قرية يتلقاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ونساؤهم إلَّا من شاء الله منهم، ولقد أتينا معه على دير رهبان، فتلقانا منهم راهبان، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقال: أدع لنا فما نحن إلَّا في بركاتك، وأخرجا طبقًا فيه خبز وعسل، فأكل الجماعة. وخرجت إلى زيارة الشيخ أول مرة، فأخذ يحادثنا، ويسأل الجماعة، ويوانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة ونحن ينزل علينا شيء كالبرد. ثم قال: الرحمة، فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسًا، فقلت: من هؤلاء? فقيل: أهل السنة والصيت للحنابلة، وسمعت شخصًا يقول له: يا شيخ! لا بأس بمداراة الفاسق؟ فقال: لا يا أخي! دين مكتوم دين ميشوم. وكان لا يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئًا قط، فلما بلغه ذلك أخذ شيئًا، وأكله بحضرة الناس، واشتهر عنه من الرياضات والسير والكرامات والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثةً، ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام حتى آذوه مما يقبلون يده، فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك بحيث لا يصل إليه أحد إلَّا رؤيةً، فكانوا يسلمون عليه، وينصرفون، ثم رجع إلى زاويته.

وقال ابن خلكان: أصله من بيت فار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى جبل الهكارية، وانقطع، وبنى له زاويةً، ومال إليه أهل البلاد ميلًا لم يسمع بمثله، وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق جاوز اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة، صحب الشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حمادًا الدباس وغيرهما، وعاش تسعين سنة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمس مائة.

قال مظفر الدين صاحب إربل: رأيت الشيخ عدي بن مسافر وأنا صغير بالموصل، وهو شيخ ربعة، أسمر اللون، .

قلت: نقل الحافظ الضياء عن شيخ له أن وفاته كانت في يوم عاشوراء من السنة.


(١) ترجمته في وفيات الأعيان "٣/ ترجمة ٤١٥"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٥/ ٣٦٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>