للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مقتل أبي رافع]

وهو سلام بن أبي الحقيق؛ وقيل: عبد الله بن أبي الحقيق اليهودي، لعنه الله.

قال البكائي، عن ابن إسحاق: ولما انقضى شأن الخندق وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق أبو رافع فيمن حزب الأحزاب على رسول الله . وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف. فاستأذنت الخزرج رسول الله في قتل ابن أبي الحُقيق وهو كبير، فأذن لهم.

وحدثني الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: كان مما صنع الله لرسوله : أن هذين الحيين من الأنصار كانا يتصاولان مع رسول الله تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئًا فيه غناء عن رسول الله إلا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلًا علينا عند رسول الله وفي الإسلام. فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها. وإذا فعلت الخزرج شيئًا قالت الأوس مثل ذلك.

ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله ، قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلًا علينا. فتذاكروا من رجل لرسول الله كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحُقَيق وهو بخيبر. فاستأذنوا رسول الله فأذن لهم. فخرج إليه من الخزرج خمسة من بني سلمة: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة بن ربعي، وآخر حليف لهم. فأمَّر عليهم ابن عتيك، فخرجوا حتى قدموا خيبر، فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا بيتًا في الدار إلا أغلقوه على أهله، ثم قاموا على بابه فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: من أنتم؟ قالوا: نلتمس الميرة. قال: ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه.

قال: فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفًا أن تكون دونه مجاولة تحول بينا وبينه. قال: فصاحت امرأته فنوهت بنا، وابتدرناه وهو على فراشه، والله ما يدلنا عليه في سواد البيت إلا بياضه، كأنه قُبطية ملقاة. فلما صاحت علينا جعل الرجل منا يرفع سيفه عليها ثم يذكر نهي رسول الله عن قتل النساء، فيكف يده. فلما ضربناها بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني قطني؛ أي: حسبي. قال: وخرجنا، وكان ابن عتيك سيئ البصر فوقع من الدرجة، فَوثئَتْ يدهُ وثأ (١) شديدًا وحملناه حتى نأتي منهرًا (٢) من عيونهم فندخل فيه. فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبون، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه. فقلنا: كيف لنا بأن نعلم أنه هلك؟ فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم. فانطلق حتى دخل في الناس. قال: فوجدتُها وفي يدها المصباح وحوله رجال وهي تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي فقلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه، ثم قالت: فاض، وإله يهود. فما سمعُت من كلمة كانت ألذ إليَّ منها. قال: ثم جاء فأخبرنا الخبر، فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله فأخبرناه واختلفنا في قتله، فكلنا يدعيه. فقال: هاتوا أسيافكم، فجئنا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس: هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام والشراب.


(١) وثئت يده وثأ شديدًا: أي أصابها وهن، دون الخَلْع والكسر.
(٢) المَنْهَر: خَرْقٌ في الحِصْن نافِذٌ يدخل فيه الماء، وهو مفعل من النهر، والميم زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>