وفي سنة خمس وثمانين: غزا الفرنج، ثم رجع، فمرض، وتكلم أخوه أبو يحيى في الملك، فلما عوفي، قتله، وتهدد القرابة.
وفي سنة تسعين انتقضت الهدنة، فتجهز، وعرض جيوشه بإشبيلية، وأنفق الأموال، فقصده ألفنش فالتقوا، وكان نصرًا عزيزًا، ما نجا ألفنش إلَّا في شريذمة، واستشهد من الكبار جماعة، واستولى يعقوب على قلاع، ونازل طليطلة، ثم رجع، ثم غزا، ووغل، بحيث انتهى إلى أرض ما وصلت إليها الملوك، فطلب ألفنش المهادنة، فعقدت عشرًا، ثم رد السلطان إلى مراكش بعد سنتين، وصرح بقصد مصر.
وكان يتولى الصلاة بنفسه أشهرًا، فتعوق يومًا، ثم خرج، وهم ينتظرونه، فلامهم، وقال: قد قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف للعذر، ثم قرر إمامًا عنه. وكان يجلس للحكم، حتى اختصم إليه اثنان في نصف، فقضى، ثم أدبهما، وقال: أما كان في البلد حكام?
وكان يسمع حكم ابن بقي من وراء الستر، ويدخل إليه أمناء الأسواق، فيسألهم عن الأمور.
وتصدق في الغزوة الماضية بأربعين ألف دينار.
وكان يجمع الأيتام في العام، فيأمر للصبي بدينار وثوب ورغيف ورمانة.
وبنى مارستان ما أظن مثله، غرس فيه من جميع الأشجار، وزخرفه وأجرى فيه المياه، ورتب له كل يوم ثلاثين دينارًا للأدوية، وكان يعود المرضى في الجمعة.
وورد عليه أمراء من مصر، فأقطع واحدًا تسعة آلاف دينار.
وكان لا يقول بالعصمة في ابن تومرت.
وسأل فقيهًا: ما قرأت? قال: تواليف الإمام، قال: فزورني، وقال: ما كذا يقول الطالب! حكمك أن تقول: قرأت كتاب الله، وقرأت من السنة، ثم بعد ذا قل ما شئت.
قال تاج الدين ابن حمويه: دخلت مراكش في أيام يعقوب، فلقد كانت الدنيا بسيادته مجملةً، يقصد لفضله ولعدله ولبذله وحسن معتقده، فأعذب موردي، وأنجح مقصدي، وكانت مجالسه مزينةً بحضور العلماء والفضلاء، تفتتح بالتلاوة ثم بالحديث، ثم يدعو هو، وكان يجيد حفظ القرآن، ويحفظ الحديث، ويتكلم في الفقه، ويناظر، وينسبونه إلى مذهب الظاهر. وكان فصيحًا، مهيبًا، حسن الصورة، تام الخلقه، لا يرى منه اكفهرار، ولا عن