للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجالسه إعراض، بزي الزهاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك، صنف في العبادات، وله "فتاو"، وبلغني أن السودان قدموا له فيلًا فوصلهم، ورده، وقال: لا نريد أن نكون أصحاب الفيل، ثم طول التاج في عدله وكرمه، وكان يجمع الزكاة، ويفرقها بنفسه، وعمل مكتبًا للأيتام، فيه نحو ألف صبي، وعشرة معلمون. حكى لي بعض عماله: أنه فرق في عيد نيفًا وسبعين ألف شاة.

وقال عبد الواحد: كان مهتمًا بالبناء، كل وقت يجدد قصرًا أو مدينةً، وأن الذين أسلموا كرهًا أمرهم بلبس كحلي وأكمام مفرطة الطول، وكلوتات ضخمة بشعة، ثم ألبسهم ابنه العمائم الصفر، حمل يعقوب على ذلك شكه في إسلامهم، ولم تنعقد عندنا ذمة ليهودي ولا نصراني منذ قام أمر المصامدة، ولا في جميع المغرب كنيسة، وإنما اليهود عندنا يظهرون الإسلام، ويصلون، ويقرئون أولادهم القرآن جارين على ملتنا.

قلت: هؤلاء مسلمون، والسلام.

وكان ابن رشد الحفيد قد هذب له كتاب "الحيوان" وقال: الزرافة رأيتها عند ملك البربر، كذا قال غير مهتبل، فأحنقهم هذا، ثم سعى فيه من يناوئه عند يعقوب، فأروه بخطه حاكيًا عن الفلاسفة أن الزهرة أحد الآلهة، فطلبه، فقال: أهذا خطك? فأنكر، فقال: لعن الله من كتبه، وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أقامه مهانًا، وأحرق كتب الفلسفة سوى الطب والهندسة. وقيل: لما رجع إلى مراكش، أحب النظر في الفلسفة، وطلب ابن رشد ليحسن إليه، فحضر، ومات، ثم بعد يسير مات يعقوب.

وقد كتب صلاح الدين إلى يعقوب يستنجد به في حصار عكا، ونفذ إليه تقدمةً، وخضع له، فما رضي لكونه ما لقبه بأمير المؤمنين، ولقد سمح بها، فامتنع منها كاتبه القاضي الفاضل.

وقيل: إن يعقوب أبطل الخمر في ممالكه، وتوعد عليها فعدمت، ثم قال لأبي جعفر الطبيب: ركب لنا ترياقًا، فأعوزه خمر، فأخبره بذلك، فقال: تلطف في تحصيله سرًا، فحرص، فعجز، فقال الملك: ما كان لي بالترياق حاجة، لكن أردت اختبار بلادي.

قيل: إن الأدفنش كتب إليه يهدده، ويعنفه، ويطلب منه بعض البلاد، ويقول: وأنت تماطل نفسك، وتقدم رجلًا، وتؤخر أخرى، فما أدري الجبن بطأ بك، أو التكذيب بما وعدك نبيك? فلما قرأ الكتاب، تنمر، وغضب، ومزقه، وكتب على رقعة منه: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا … ﴾ الآية [النمل: ٣٧]، الجواب ما ترى لا ما تسمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>