للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان رسل الله قد اختيروا رجالًا قاربوا الأربعين من أعمارهم أو تخطوها، فإن هذا يعني أنهم كانوا أصلًا مؤهلين بطبيعتهم البشرية وما درجوا عليه من كريم الخصال وتميز المواهب، لكي يكونوا رسل الله إلى خلقه.

فحين جاء أول وحي لإبرهيم أبي الأنبياء "كان "عمره" خمسًا وسبعين سنة".

وحين بدأت رسالة موسى "كان موسى ابن ثمانين سنة".

وحين بدأت رسالة المسيح "كان له نحو ثلاثين سنة".

على أن هناك حالات خاصة من الأنبياء والمرسلين مثل أرميا الذي جاءه الوحي وهو ولد صغير:

"قلت: آه يا سيد الرب، إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد. فقال الرب لي: لا تقل إني ولد، لأني إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به".

وكذلك يحيى بن زكريا الذي قال عنه "الحق": {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: ١٢] .

ومحمد رسول الله ليس "بدعًا من الرسل" فقد جاءه الوحي وهو في الأربعين من عمره وقد عرفت أخلاقه وتميزت سماته لكل من خالطه وعرفه.

ولذلك نجد "الحق" يقول في وصف الرسول مبكرًا في صدر سورة القلم التي تعتبر ثاني سورة من القرآن {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] .

لقد كان خلق محمد هو أول البراهين على صدق ما جاء به، ورصيده الهائل الذي أعد بقدر الله لخدمة الرسالة.

فحين فاجأه الحق وهو في غار حراء ونزل عليه الملك بأول سورة "اقرأ" ثم انصرف عنه، رجع رسول الله إلى خديجة يرجف بها فؤاده، حتى إذا دخل عليها قال: "زملوني، زملوني". فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة:

<<  <   >  >>