للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من عشيرته وقومه بسابق عهدهم به صادقًا وأمينًا، فقد عرفوه عن قرب معرفة الصاحب لصاحبه، وخبروا رجاحة عقله وطيب معدنه. فالذي يأتيه إنما هو وحي السماء استقبلته نفس محمد الطاهرة وعقله الواعي:

{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ، وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: ١٥-٢٢] .

وحين حاولوا مداهنته وطلبوا منه قرآنا لا يسفه آلهتهم ولا يدعو إلى نبذ عبادة اللات والعزى ولا يحرم عليهم ما تردوا فيه من خبائث ومنكرات كان قول "الحق":

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: ١٥-١٧] .

ثم كانت هذه الدعوة للمكيين بتحرير الفكر وتحري الحقيقة في أمر صاحبهم، وذلك بانبعاثهم مثنى، أو فردًا فردًا، ثم تفكرهم في أمر محمد على ضوء سابق عهدهم به، وحين يصدقون العزم ويتجردون من الهوى، سوف تصدق نتائج تفكيرهم.

وهذه الدعوة للتفكير علمية ولا شك، فهي تأخذ في اعتبارها "علم النفس" وخصائص النفس البشرية التي قد تكابر في الحق حين تطرح القضية أمام ملأ من الناس، لكن احتمالات رجوع تلك النفس إلى الحق يكون أكبر حين يخلو

<<  <   >  >>