يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه "راجيه".... قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه.
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده.
يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه. ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته. ويقول:"إذا رأيتم طالب حاجة فارفدوه".
ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام".
قال: فسألته كيف كان سكوته؟ قال: "كان سكوته في أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكر. فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره -أو قال تفكره- ففيما يبقى ويفنى. وجمع له الحلم والصبر فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه".
إن طبيعة البيئة التي بدأت فيها الدعوة إلى الإسلام تتطلب من الداعية صبرًا وحلمًا يفوق كل حد. ولقد تكفل الله بذلك فأسبغ على رسوله من كريم السجايا وعظيم الأخلاق ما يتفق ومطالب إنجاح الدعوة. وقد سجل الحق ذلك في قوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: ١٥٩] .
لقد كانت تلك هي الخطوط العامة لملامح شخصية الرسول، ولكن ليزداد الأمر وضوحًا كان علينا أن نعرض صورًا مختلفة للرسول نقتبسها من حياته الشخصية والعامة، ونقدم أنماطًا من سلوكه وفكره ومنهجه في مختلف مراحل حياته بعد أن صار نبيًا.