للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونبذأ بالبحث عن أوجه الكسب الشخصي التي يمكن أن تعود على الرسول من رسالته التي تحمل في سبيلها الكثير من المخاطر والآلام والأحزان. فنجده قد جرد نفسه وأهله من كل ما يمكن احتسابه كسبًا أو منفعة، فقد عاش فقيرًا زاهدًا. أمضى جل حياته يعاني آلام الجوع وشظف العيش طوعًا واختيارًا.

قال علقمة بن مسعود: اضطجع رسول الله على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه وأقول: بأبي أنت وأمي، ألا أذنتنا فنبسط لك شيئًا يقيك منه تنام عليه؟ فقال: "ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها".

وقال أبو هريرة: والذي نفس أبي هريرة بيده، ما شبع نبي الله وأهله ثلاثة أيام تباعًا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.

وقالت عائشة: إنا كنا آل محمد ليمر بنا الهلال "الشهر" ما نوقد نارًا "للطبخ" إنما الأسودان: التمر والماء. إلا أنه كان حولنا أهل دور من الأنصار يبعثون إلى رسول الله بلبن منائحهم فيشرب ويسقينا من ذلك اللبن.

ولم يكتف رسول الله بعيش الكفاف الذي فرضه على نفسه وعلى أهله، إنما حرم عليهم ميراثه في ذلك القليل من حطام الدنيا الذي تركه.

قال عمرو بن الحارث: ما ترك رسول الله دينارًا ولا درهما ولا عبدًا ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضًا جعلها لابن السبيل صدقة.

ولقد توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي وفاء لطعام اشتراه منه، فما وجد ما يفكها به من دراهم حتى مات.

وبعد وفاة الرسول ذهبت ابنته فاطمة وعمها العباس إلى أبي بكر يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: "لا نرث، ما تركناه صدقة".

فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت.

<<  <   >  >>