بعد ذلك ننظر الرسول في مواضع الخطر فنجده سباقًا مقدامًا. لقد فزع أهل المدينة ذات ليلة من جراء صوت سمعوه، فانطلق أناس قبل الصوت يستطلعون الخبر، فتلقاهم رسول الله راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف وهو يطمئنهم ويقول:"لم تراعوا".
وفي المواقف الحرجة من المعارك يصمد الرسول ويثبت حتى يستعيد المؤمنون المقاتلون الموقف. قال علي -وهو الفارس المغوار: كنا إذا اشتدت الحرب واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله، فما يكون أقرب إلى العدو منه.
وفي الموقف الصعب يوم أحد جرح وجه الرسول وكسرت رباعيته وكلمت شفته وسال الدم على وجهه لكنه ثبت ولم يبرح مكانه ولم يبق معه آنذاك إلا اثنا عشر قتل منهم سبعة وبقي الخمسة.
وفي الموقف الصعب يوم حنين تعرض المسلمون لكمين أصابتهم فيه السهام والرماح فولوا مدبرين، بينما ثبت رسول الله وهو راكب بغلته يدعو أصحابه إلى الثبات ويقول:"إلي عباد الله، إلي أنا رسول الله". ثم يعلن عن نفسه في مواجهة الأعداء ويقول:"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". وما هي إلا فترة استعاد بعدها المسلمون زمام الموقف فهزموا المشركين ووقع في أيديهم أسرى كثيرين.
وإذا كنا في الحرب ومواضع الخطر نجد الرسول قوي العزم جبار البأس، فإنا واجدوه مع الأطفال والضعفاء، رقيق المعشر يمزح معهم ويداعبهم، بيد أنه لا يقول إلا صدقًا. قال أنس: كان رسول الله من أفكه الناس مع صبي. وجاء مرة رجل يسأله دابة تحمله، فقال له الرسول:"إنا حاملوك على ولد ناقة".