للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان رجل من البادية اسمه زاهر يتردد على الرسول وقد عرف بدمامة خلقته، وجده الرسول يومًا يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه "مداعبا" والرجل لا يبصره.

فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه. وجعل النبي يمزح معه ويقول: "من يشتري العبد"؟ فقال: يا رسول الله، إذن والله تجدني كاسدًا، فقال رسول الله: "لكن عند الله لست بكاسد".

وقال أنس وقد خدم الرسول عشر سنين: أرسلني يومًا لحاجة فقلت: والله لا أذهب. فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي ورائي.

فنظرت إليه وهو يضحك فقال: "يا أنيس ١، ذهبت حيث أمرتك"؟

فقلت: نعم، أنا ذاهب يا رسول الله.

وقال بعض صحابة النبي إليه: يا رسول الله، إنك تداعبنا. قال: "إني لا أقول إلا حقًا".

وقد عرف عن النبي عفة لسانه في المواقف التي ترضيه والتي لا ترضيه، فلم يشتهر بتوبيخ من حوله وتعنيفهم، أو ما من شأنه أن يصدهم ويفقدهم الثقة في أنفسهم. ولم يسمع عنه أنه قال لهم: "يا قليلي الإيمان" أو "يا أغبياء"، أو "إلى متى أحتمل غباوتكم وقساوة قلوبكم" أو شيئًا من هذا التقريع.

إن الأناجيل تمتلئ بأقوال من هذا النوع تنسب للمسيح وهو يتحدث إلى تلاميذه وحوارييه، كما تمتلئ بحملاته العنيفة على اليهود والتنبؤ لهم بالهلاك في جهنم.


١ لاحظ المداعبة في قوله: "أنيس" بدلًا من "أنس".

<<  <   >  >>