للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لقد كان الشرك وتعدد الآلهة سائدًا في عهد نوح وكانت له كهنة ومرتزقة ودجالون، فقام هؤلاء يصرفون الناس عن دعوته: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا، وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} "نوح: ٢١-٢٢".

وحين بغلت دعوة نوح غايتها واستنفذت كل وسائل الإقناع، لم يبق لقومه خيار فيما ينتظرهم من عقاب: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} "هود: ٣٦-٣٧".

إن هذا يتفق وعدل الله في خلقه، ألا يهلك نفسًا لم يأتها نذير: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} "القصص: ٥٩".

لقد عاش نوح يجاهد في سبيل الله مئات السنين، إلا أن حصيلة ذلك كله كانت عددًا ضئيلًا من المؤمنين: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} "هود: ٤٠".

ولقد استحق بجهاده الشاق وصبره الجميل ما أسبغ عليه من كرامة ونعماء، ويكفي أن يقول الله فيه: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ، وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} "الصافات: ٧٥-٨١".

{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} "الإسراء: ٣".

هكذا نرى نوحًا في القرآن العظيم: نبي عظيم ورسول ذو دعوة واسعة.

من أجل ذلك كان إمامًا يقتدي به الأنبياء والمرسلون علاوة على من دونهم من الناس، وكان أول أولي العزم الذين قيل في شأنهم لخاتم الأنبياء والمرسلين: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} "الأحقاف: ٣٥".

<<  <   >  >>