للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجد الحديث بخطه، لا يحفظه، فقال: "كان أبو حنيفة يقول: لا يحدث إلا بما يعرف ويحفظ، قال يحيى: وأما نحن فنقول: إنه يحدث بكل شيء، يجده في كتابه بخطه، عرفه، أو لم يعرفه" ويفسر الخطيب المعرفة هنا بالحفظ١.

الكتاب ودوره في ضبط الأحاديث وحفظها:

٢٩٢- والحقيقة أن الكتاب لعب دورًا هامًّا في توثيق الأحاديث وإعانة العلماء على حفظ مروياتهم من غفلة ذاكرتهم، وعلى حفظ مروياتهم أيضًا من أن تتهم عند ما يخالفهم فيها غيرهم، ولهذا كان هو المرجع والفيصل في كثير من حالات اختلاف الرواة؛ يقول أحمد بن سنان الواسطي: سألت عبد الرحمن بن مهدي، وهو يحدثنا بأحاديث مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، فمن حسنها قلت له: من أبو الأسود هذا يا أبا سعيد؟. قال: هذا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ربيب عمرو أخو هشام بن عروة من الرضاعة وهو الذي يقول: وحدثني أخي محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن أبي قال: "لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم، قالوا فيهم بالرأي، فضلوا، وأضلوا: فقلت: قد كتبته يا أبا سعيد، وليس هو هكذا، فقال: بلى: أخرج إلى أبو أسامة كتابه، وهو هكذا. قال أحمد بن سنان: وكنت كتبته عن أبي أسامة بالكوفة، قبل أن أنحدر إلى البصرة، فلما قدمت واسطًا لم يكن لي همة إلا أن أنظر في كتابي، فنظرت فإذا الحديث قد أملي علينا: "عن هشام عن أبيه" تامًّا، لما أتمه قال هشام: أخبرني من سمع أبي يقول: "لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا"، حتى ذكر الحديث بتمامه.

فمن هذه القصة نرى أن الفيصل عند عبد الرحمن بن مهدي وابن سنان إنما هو الكتاب، كل منهما يحتكم إليه٢.

٢٩٣- والقصة التالية شبيهة بهذه في الاحتكام إلى الكتاب، والاطمئنان إلى ما فيه، والرجوع إليه عند ما تخون الذاكرة، فتحدث بما يخالف ما فيه:


١ الكفاية هـ: ص٢٣١.
٢ تقدمه المعرفة ص٢٥٤، ٢٥٥.

<<  <   >  >>