للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمام أحمد حين سئل عن "المناولة"، فقال: ما أدري ما هذا، حتى يعرف المحدث حديثه وما يدريه ما في الكتاب١؟!.

٣٩٧- وكما يفهم من هذه الصور، فقد يكون الطالب عالمًا بما في الكتاب الذي تناوله من الشيخ وقد لا يكون عالمًا به.

ولكن أبا حنيفة ومحمدًا -رحمها الله تعالى- قد اشترطا أن يكون المناول -في كل الحالات عالمًا بما في الكتاب الذي يناوله إياه الشيخ، ولم يشترط هذا أبو يوسف -رحمه الله تعالى- ويقول السرخسي: إن هذا قياس على اختلافهم في كتاب القاضي إلى القاضي وكتاب الشهادة، فإن علم الشاهد بما في الكتاب شرط في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وليس شرطًا في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى، لصحة أداء الشهادة، ثم يقول السرخسي: والأصح عندي أن المناولة التي لا يعلم الطالب ما فيها لا تصح في قولهم جميعًا؛ لأن أبا يوسف إنما أجاز عدم علم الشاهد، وعدم علم رسول القاضي إلى القاضي بما في الكتاب للضرورة؛ لأن هذه الكتب قد تشتمل على أسرار لا يريد الكاتب والمكتوب إليه أن يقف عليها غيرهما، وذلك المعنى لا يوجد في كتاب الأخبار.

٣٩٨- ثم إن الأخبار لها أهمية كبيرة، فهي تحل وتحرم في أمور الدين فأمرها عظيم، وخطبها جسيم، فلا ينبغي أن نحكم بصحة تحملها قبل أن تصير معلومة للمتحمل. أما إذا كان جاهلًا بها فمثله مثل الذي يقرأ عليه المحدث، فلم يسمع ولم يفهم، فإنه في هذه الحالة لا يجوز له أن يروي، والمناولة والإجازة إذا لم يكن ما في الكتاب معلومًا له دون ذلك٢.

٣٩٩- وإذا كان الحديث ينقل بالمناولة على هذه الصورة من المؤكدات فقد رأى الإمام مالك وجماعة من العلماء أنها بمنزلة السماع من حيث القيمة ... وقد تقدم قوله في عد المناولة من السماع، وروى عنه ابن أبي أويس مثل هذا٣.


١ الكفاية هـ ٣٢٨.
٢ أصول السرخسي ١/ ٣٧٧ - ٣٧٨.
٣ الإلماع ص ٨٠.

<<  <   >  >>