للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر أن يكون اختلافًا في فهم تلك الأحاديث، وما تدل عليه.. أو أن مدلول الحديث كان معمولًا به أولًا، ثم نسخ بعد ذلك، ولم يبلغ رواية هذا النسخ، فظل على العمل به وروايته.. أو توقف الصحابي فيما لم يبلغه من الأحاديث، حتى يتأكد من أنها صدرت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعند ما يتأكد الصحابي من ذلك، فإنه لا يتردد في التسليم والعمل بما روي له، والندم على عدم سماعه تلك الأحاديث.

ومن الاختلاف في فهم النصوص، أن عمر، رضي الله عنه، روى عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه"، وفهمه على أنه عام، وأن التعذيب بسبب بكاء الأهل على الميت.

أنكرت عليه ذلك الفهم عائشة وردت الحديث قائلة: "إنما قال النبي، صلى الله عليه وسلم في يهودية: إنها تعذب، وهم يبكون عليها"، يعني تعذيب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء، واحتجت بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ١.

ولم تنسب عائشة، رضي الله عنها، إلى عمر وابنه عبد الله، رضي الله عنهما الذي روى عن أبيه هذا الحديث، أنهما كذبا في حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما بادرت فصرحت ينفي تهمة الكذب عنهما حين قالت: "إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين؛ ولكن السمع يخطئ"٢.

وقد نسخ الحديث فلا يبلغ روايه ذلك النسخ، فيظل على روايته والعمل به -كما قلنا- ويكون هذا سببًا في معارضة بعض الصحابة، له، ورد روايته؛ ومثل هذا ما كان يفتي به أبو هريرة، رضي الله عنه، ويحدث به: "أن من أصبح جنبًا فقد أفطر"، ولم يبلغه أن ذلك نسخ، فلما


١ سورة فاطر: ١٨.
٢ صحيح مسلم بشرح النووي: ٢/ ٥٨٩، ٥٩٣ - والإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، بدر الدين أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الزركشي "٧٤٥ - ٧٩٤هـ" تحقيق سعيد الأفغاني. الطبعة الثانية ١٣٩٠ - ١٩٧٠ بيروت. لبنان، ص١١٨، ١١٩.

<<  <   >  >>