للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤٦- وفي آخر عهد الصحابة كان هناك جيل من التابعين يحدث فتبلغهم روايته، فكانوا يتوقون رواية الكذابين والمخطئين: لقد أعرض ابن عباس عن واحد من هؤلاء عندما قال له: مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع؟!. رد عليه: "إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف١"، وفي رواية: "إنا كنا نحدث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه.

وكانت هذه الوسيلة "اختبار الرواة" من أكثر الوسائل وأنجحها في الكشف عن الحديث وتوثيقه، كما سنرى في بحثنا هذا إن شاء الله الكريم.

٤- إسناد الحديث:

٤٧- ومع تمحيص الرواة واختبار ضبطهم وجدنا وسيلة أخرى كانت لها أهميتها الكبيرة فيما بعد، وهي أن بعضهم حرص على ألا يأخذ حديثًا منقطع الصلة برسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان يسلم الحديث بعضهم إلى بعض، وكل يذكر من رواه له قبل الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا نشأت بذور الإسناد في الحديث، والتي كانت من أهم الوسال لتوثيق الحديث، وتصحيحه فيما بعد- كما قلنا.

وبطبيعة الحال نشأت البذور فقط؛ لأن الإسناد إنما هو وسيلة للكشف عن الرواة لاختبار عدالتهم وضبطهم، ومعظمهم -في ذلك الوقت عدول ضابطون.

٤٨- وقد قدم لنا الإمام مسلم مثالًا لهذا، فروي بسنده: "أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يعطي عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، العطاء،


١ صحيح مسلم بشرح النووي ١/ ٦٧، ٦٨.

<<  <   >  >>