للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأصبحت روايته على وجه لا يتغير به المعنى. والقول بأن الراوي إذا لم يكن فقيهًا قد يغير في المعنى وهم لا أساس له؛ لأن الأخبار وردت بلسانهم، وعلمهم بهذا اللسان يمنع من غفلتهم عن المعنى وعدم وقوفهم عليه وعدالتهم وتقواهم وضبطهم تدفع تهمة التزيد أو النقصان في الخبر الذي يروونه١.

٨٦٣- واستدل القائلون بهذا -رواية عن الأحناف- بأن الخبر يقين بأصله؛ لأنه من حيث إنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل الخطأ، وإنما الشبهة في عارض النقل، حيث يحتمل الغلط والنسيان والكذب. أما القياس فالاحتمال في أصله؛ أي: في علته التي يبني عليها الحكم، فإنها لا تتحقق يقينًا إلا بنص أو بإجماع وهو أمر عارض. ولا شك أن يتيقن الأصل راجع على محتمله.

٨٦٤- وعلى تقدير ثبوت العلة فيه قطعًا يحتمل أن تكون خصوصية الأصل شرطًا لثبوت الحكم، أو خصوصية الفرع مانعًا عنه فيكون تطرق الاحتمال إلى القياس أكثر، فيؤخر عن الخبر الذي لا يتطرق الاحتمال إليه إلا في طريق نقله، وهو عارض.

٨٦٥- وقد رأينا عمر، رضي الله عنه، ترك القياس بالخبر في مسألة الجنين عندما علم أنه عليه السلام أوجب فيه الغرة٢ وقال: لولا هذا لقضينا فيه بالقياس لثبوت الخبر، وكذا في دية الأصابع، حيث رأى أنها تتفاوت باعتبار منافعها فتتفاوت في ديتها، ولكنه ترك ذلك بخبر الواحد الذي يقول: "في كل إصبع عشر من الإبل، وكذا في ميراث الزوجة من دية زوجها وكان يرى أن الدية للورثة، ولأنها ليست من ملك الزوج فلا ترث الزوجة منها فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتوريث الزوجة منها، فرجع إليه وترك القياس بخبر الواحد.


١ كشف الأسرار حـ٢ ص٧٠٣.
٢ الغرة: العبد أو الأمة، والغرة عند الفقهاء ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء "النهاية".

<<  <   >  >>