للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شوال١ وهذا الحديث هو الذي يمكن أن نقول فيه: إن مالكًا رحمه الله تركه، فلم يذكره في الموطأ، وإنما أفتى بخلافه فيه فقد قال يحيى بن يحيى: سمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: "إنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصه عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك".

٩٠١- ومن كلام مالك هذا نفهم أنه لم يرد الحديث للقياس وإنما لأن السلف لا يفعلون ذلك، والسلف لا يتركون هذه السنة لو صحت ولأنه لا يجد أحدًا من أهل العلم يفعل ذلك؛ اقتداء بالسلف، وعدمك بلوغهم هذا الحديث؛ لأن أحدًا منهم لا يستطيع أن يرغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٩٠٢- ومما يؤيد ذلك تسميته له بالبدعة، ولم يقل أحد إن أهل العلم يكرهون رخصة من الرخص التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحض عليها؛ لأن العامة سيحلقونها بفريضة من الفرائض ويعتقدون وجوبها ويحيطونها بالبدعة.

٩٠٣- إذن فالأمر لا يعدو أن مالكًا رضي الله عنه عرض هذا الحديث على عمل الصحابة والتابعين فوجدهم لا يفعلونه بل يرغبون عنه فرأى أن الحديث لم يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومناقشة مالك في هذا


١ قال النووي في شرح هذا الحديث في مسلم "حـ٢ ص٢٣١" فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك، قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها. قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه. ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم: قد يظن وجوبها، ينتقد بصوم عرفة وعاشوراء وغيرها من الصوم المندوب، قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر".

<<  <   >  >>