للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٩٥٦- ومن حجتهم كذلك أن الله تعالى قد قص من أنباء ما قد سبق قصصًا كرر ذكر بعضها في مواضع مختلفة بألفاظ مختلفة، والمعنى واحد ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربي، وهو مخالف لها في التقديم والتأخير والحذف والزيادة وقد روي هذا عن الحسن البصري١.

٩٥٧- وكما أقام أصحاب هذا الاتجاه حججهم فقد استداروا إلى مخالفيهم يردون عليهم ما احتجوا به في عدم جواز رواية الحديث بالمعنى.

ويروي الرامهرمزي ما رد به هؤلاء على مخالفيهم الذين استدلوا بحديثين صحيحين -كما عرفنا- وفي الحديث الأول استدلوا بعبارة: "فأداها كما سمعها" ويبين المجيزون أن المراد "فأدى حكمها لا لفظها؛ لأن اللفظ غير معتد به، ويدلك على أن المراد من الخطاب حكمه قوله: "فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".

وفي الحديث الثاني استدلوا برد الرسول صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب من "برسولك" إلى "بنبيك" كما علمه أولًا. ويرد المجيزون بأن كلمة "النبي" تحمل معنى زائدًا، ففيها زيادة مدح ولكل نعت من النعتين موضع؛ لأن اسم الرسول يقع على الكافة واسم النبي لا يستحقه إلا الأنبياء عليهم السلام، وإنما فضل المرسلون من الأنبياء لأنهم جمعوا النبوة والرسالة جميعًا، فلما قال: وبنبيك الذي أرسلت" جاء بالنعت الأكثر مدحًا وقيده بالرسالة، بقوله: "الذي أرسلت" فكأن المعنى يتغير، ولهذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم.

٩٥٨- أضف إلى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو المعلم للصحابي الدعاء، وإنما القول هنا في اتباع اللفظ إذا كان المتكلم هو الذي يحكي كلام غيره.

٩٥٩- وأيضًا فالأسلوب بقوله: "ورسولك الذي أرسلت" يصير ركيكًا لأنه من المستقبح في الكلام أن تقول: "هذا رسول الله الذي


١ المحدث الفاصل "مخطوط" ص ٣٤٥ - ٣٤٦.

<<  <   >  >>