للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥٤- وينسب هذا الرأي إلى الشريف المرتضى أيضًا من الشيعة "٤٣٦هـ"، فهو يقول: "لا بد في الأحكام الشرعية من طريق يوصل إلى العلم ولذلك أبطلنا العمل بأخبار الآحاد؛ لأنها لا توجب علمًا ولا عملًا وأوجبنا أن يكون العمل تابعًا للعلم؛ لأن راوي خبر الواحد إذا كان عدلًا فغاية ما يقتضيه الظن بصدقه، ومن ظننت صدقه يجوز أن يكون كاذبًا"١.

١٥٥- وحجة هذا الفريق أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ٢، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب العلم لم يجز اتباعه، والعمل به بهذا الظاهر.

١٥٦- وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَق} ٣، وخبر الواحد إذا لم يكن راويه معصومًا عن الكذب والغلط لا يكون حقًّا على الإطلاق، ولا يجوز القول بإيجاب العمل به في الدين.

وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون} ٤، وقال عز من قائل: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ٥، ومعنى الصدق في خبر الواحد غير موجود إلا بطريق الظن.

وخبر الواحد محتمل للصدق والكذب، وإذا كان النص الذي هو محتمل للتأويل لا يكون موجبًا للعمل بنفسه، مع أن كل واحد من الاحتمالين فيه يجوز أن يعمل به، فلأن لا يجوز العمل بما هو محتمل للكذب -مثل خبر الواحد- أولى؛ لأن الكذب باطل أصلًا٦.

وإن الله سبحانه وتعالى هو صاحب الشرع، وهو موصوف بكمال القدرة، فكان قادرًا على إثبات ما شرعه بأوضح دليل، ولا ضرورة له في التجاوز عن الدليل القطعي إلى ما لا يفيد إلا الظن٧.


١ أصول الفقه للمظفر ١/ ٧٠.
٢ سورة الإسراء: ٣٦.
٣ سورة النساء: ١٧١.
٤ سورة الزخرف: ٨٦.
٥ سورة النجم: ٢٨.
٦ أصول السرخسي ١/ ٣٢١.
٧ كشف الأسرار ٢/ ٦٩٠.

<<  <   >  >>