للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لشاركه في حكمه، وهو كونه من قولهم، وليس هو المراد، ولو عطف على "قالوا" لشاركه في اختصاصه بالظرف المقدم، وهو {إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} وليس هو المراد، فإن استهزاء الله بهم وهو أن خذلهم فخلاهم وما سولت لهم أنفسهم بكل حال، خلوا إلى شياطينهم أم لم يخلوا إليها -ومثله قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} ١، وكذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} ٢.

٢- القطع للاستئناف:

وهو الإجابة عن سؤال مقدر في الجملة الأولى: ولا يصار إليه إلا لجهات لطيفة، إما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل، أو لئلا يسمع منه شيء، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، ومن أمثلته العديدة قوله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ٣. فصل {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} ليقع جوابا للسؤال الذي يخطر من قوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} وهو: إي والله نبئنا على أي مخلوق تنزل؟ " ومن الآيات الواردة على الاستئناف قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ، قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ... } ٤.

فإن الفصل في جميع ذلك بناء على أن السؤال الذي يستصحبه تصور مقام المقاولة من نحو، فماذا قال موسى؟ فماذا قال فرعون؟ وكذلك قوله: {قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} ٥ الفصل على: ماذا قال؟ وماذا قالوا؟.


١ البقرة: ١١، ١٢.
٢ البقرة: ١٣.
٣ الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢.
٤ الشعراء: ٢٣-٢٦.
٥ الأنبياء: ٥٣-٥٥.

<<  <   >  >>