للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ:

إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ بقَولِهِ: (نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١)! وَإِذَا ثَبَتَتْ بِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ فِي الشَّرْعِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الاسْتِحْسَانِ فِي البِدَعِ؛ فَمَا الجَوَابُ؟

الجَوَابُ مِنْ أَوجُهٍ:

١ - أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الحَالِ مِنْ حَيثُ تَرَكَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَهِيَ بِدْعَةٌ لُغَوِيَّةٌ، بمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ! وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الأَصْلِ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ جَمَاعَةً فِي رَمَضَانَ؛ وَلَكِنَّهُ تَرَكَهَا لِعِلَّةٍ، وَهِيَ فِي قَولِهِ: «خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيكُم»، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ زَالَتْ عِلَّةُ التَّرْكِ؛ وَهِيَ حُصُولُ التَّشْرِيعِ بِوُجُوبِهَا (٢).

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيرِ (٣): " وَقَولُهُ تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَي: خَالِقُهُمَا عَلَى غَيرِ مِثَالٍ سَبَقَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلشَّيءِ المُحْدَثِ: بِدْعَةٌ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِمُسْلِمِ «فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ".

وَالبِدْعَةُ عَلَى قِسْمَينِ: تَارَةً تَكُونُ بِدْعَةً شَرْعِيَّةً، كَقَولِهِ: «فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ،


(١) البُخَارِيُّ (٢٠١٠).
(٢) وَيَشْهَدُ لِهَذَا أَيضًا أَحَدُ أَلْفَاظِ الحَدِيثِ وَهُوَ "إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَةً؛ لَنَعِمَّتِ البِدْعَةُ".
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ (كِتَابُ قِيَامِ رَمَضَانَ) (ص: ٩٠).
(٣) تفْسِير ابْنُ كَثِيرٍ (١/ ٣٩٨).

<<  <   >  >>