- تَاصِيلٌ:
قَبْلَ الخَوضِ فِي الجَوَابِ عَنْ بَعْضِ الشُّبَهِ فِي هَذَا البَابِ لَا بُدَّ مِنْ تَاصِيلٍ مُهِمٍ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى فَرْضِ وُجُودِ بَعْضِ الأَدِلَّةِ وَالشُّبَهِ الَّتِي لَمْ يُمْكِنِ الجَوَابُ عَنْهَا؛ أَو لَمْ يُدْرَكْ جَوَابُهَا -وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَا مُسْتَدِلٌّ عَلَى جَوَازِ الابْتِدَاعِ-؛ فَمِثْلُ هَذِهِ الأَدِلَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ بِهَا دِلَالَةُ النُّصُوصِ العَامَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ قُرْآنِ وَسُنَّةٍ نَبَوِيَّةٍ! بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّوفِيقِ مَعَهَا مَا أَمْكَنَ ذَلِكَ؛ وَلَا نَضْرِبُ النُّصُوصَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ!
بَلْ لَو قُدِّرَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ العَامَّةَ أَقْوَى فِي التَّرْجِيحِ لِأَنَّهَا إِمَّا قُرْآنٌ كَرِيمٌ، أَو سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ ثَابِتَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ أَو مَشْهُورَةٌ، وَفِي أَشْهَرِ كُتُبِ السُّنَّةِ، وَدِلَالَتُهَا أَقْوَى مِنْ حَيثُ العُمُومِ، كَخُطَبِ الحَاجَةِ الَّتِي يَكْثُرُ تِكْرَارُهَا دُونَ تَخْصِيصٍ مِنَ الشَّارِعِ، وَأَقْوَى أَيضًا مِنْ جِهَةِ الدِّلَالَةِ وَالتَّصْرِيحِ؛ كَالنُّصُوصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى المَنْهَجِ السُّنِّيِّ بِعَامَّةٍ، وَأَيضًا النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ الخُرُوجَ مِنَ الخِلَافِ وَالفِتَنِ.
لِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوقِفُنَا ابْتِدَاءً هُوَ مُحَاوَلَةُ تَوفِيقِ الدَّلِيلِ -مَوضِعِ الاشْتِبَاهِ- مَعَ النُّصُوصِ العَامَّةِ؛ بِحَيثُ يُحْمَلُ عَلَى مَحْمَلٍ لَا يُصَادِمُ بِهِ عَامَّةَ النُّصُوصِ الأَصْلِ فِي هَذَا البَابِ! فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ؛ فَيُسْكَتُ عَنْهُ وَيُتَوَقَّفُ فِيهِ (١) وَيُوكَلُ الأَمْرُ إِلَى عَالِمِهِ مِصْدَاقَ قَولِهِ تَعَالَى: {وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يُوسُف: ٧٦].
(١) أَي: بِخُصُوصِ هَذَا الوَجْهِ مِنَ الاسْتِدْلَالِ، وَلَيسَ إِبْطَالَ مَعْنَى الحَدِيثِ مُطْلَقًا! وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جِهَتَينِ: مُبَاشِرَةٍ؛ وَهِيَ دِلَالَةُ النَّصِّ بِالمُطَابَقَةِ، وَجِهَةٍ غَيرِ مُبَاشِرَةٍ: وَهِيَ بِالتَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ مِنْ مَفْهُومِ الحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute