٢ - أَنَّ مَقْصُودَ العِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللهُ فِي ذِكْرِ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ هُوَ شُمُولُ كُلِّ مَا يُحْدَثُ مِنَ البِدَعِ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالمَصَالِحِ المُرْسَلَةِ.
فَقَدْ جَعَلَ رَحِمَهُ اللهُ إِنْشَاءَ المَدَارِسِ الشَّرْعِيَّةِ وَالرَّدَّ عَلَى المُتَكَلِّمِينَ وَالفَلَاسِفَةِ جَعَلَهَا مِنَ البِدَعِ الوَاجِبَةِ وَالمُسْتَحَبَّةِ؛ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى المَصَالِحَ المُرْسَلَةَ، وَهَذَا غَيرُ مَا يِقْصِدُهُ المُبْتَدِعَةُ فِي تَقْسِيمِهِم البِدَعَ إِلَى بِدْعَةٍ حَسَنَةٍ وَبِدْعَةٍ سَيِّئَةٍ! فَإِنْشَاءُ المَدَارِسِ وَالرَّدُّ عَلَى الملاحدة هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا دَلَّتْ عَلَيهِ الشَّرِيعَةُ، فَلَمْ يَعُدْ لِلمُبْتَدِعَةِ مَا يَتَمَسَّكُونَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّيخِ العِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللهُ (١).
٣ - أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ نَفْسَهُ مُتَنَاقِضٌ.
قَالَ الإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " إِنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَمْرٌ مُخْتَرَعٌ لَا يَدُلُّ عَلَيهِ
دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَدَافِعٌ، لِأَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ البِدْعَةِ أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَا مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ؛ وَلَا مِنْ قَوَاعِدِهِ، إِذْ لَو كَانَ هُنَالِكَ مَا يَدُلُّ
مِنَ الشَّرْعِ عَلَى وُجُوبٍ أَو نَدْبٍ أَو إِبَاحَةٍ لَمَا كَانَ ثَمَّ بِدْعَةٌ، وَلَكَانَ العَمَلُ
دَاخِلًا فِي عُمُومِ الأَعْمَالِ المَامُورِ بِهَا أَوِ المُخَيَّرِ فِيهَا، فَالجَمْعُ بَينَ كَونِ تِلْكَ الأَشْيَاءِ بِدَعًا وَبَينَ كَونِ الأَدِلَّةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا أَو نَدْبِهَا أَو إِبَاحَتِهَا جَمْعٌ بَينَ مُتَنَافِيَينِ!
(١) وَقَالَ الإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَيضًا (١/ ٢٤٦): "فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى المَصَالِحَ المُرْسَلَةَ بِدَعًا بِنَاءً -وَاللهُ أَعْلَمُ- عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ أَعْيَانُهَا تَحْتَ النُّصُوصِ المُعَيَّنَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، فَمِنْ هُنَالِك جَعَلَ القَوَاعِدَ هِيَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْسَانِهَا بِتَسْمِيَتِهِ لَهَا بِلَفْظِ البِدَعِ: وَهُوَ مِنْ حَيثُ فُقْدَانِ الدَّلِيلِ المُعَيَّنِ عَلَى المَسْأَلَةِ، وَاسْتِحْسَانُهَا: مِنْ حَيثُ دُخُولِهَا تَحْتَ القَوَاعِدِ، وَصَارَ مِنَ القَائِلِينَ بِالمَصَالِحِ المُرْسَلَةِ، وَسَمَّاهَا بِدَعًا فِي اللَّفْظِ كَمَا سَمَّى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الجَمْعَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فِي المَسْجِدِ بِدْعَةً".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute