للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ نِيَّةً وَقَصْدًا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثَوَابًا وَأَجْرًا وَمُتَابَعَةً (١)، وَالتَّكْرَارُ فِي قَولِهِ: «فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ» أُسْلُوبٌ مِنَ أَسَالِيبِ العَرَبِ فِي بَيَانَ تَحَقُّقِ الشَّيءِ وَوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهِهِ.

- قَولُهُ: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا (٢) يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إلَيهِ»: لَمْ يُكَرِّرْ ذِكْرَ الدُّنْيَا وَالمَرْأَةِ تَحْقِيرًا لِشَانِهَا وَشَانِ مَنْ جَعَلَهَا مُبْتَغَاهُ؛ فَإنَّ الأَوَّلَ تَاجِرٌ، وَالثَّانِي خَاطِبٌ!

وَفِي هَذَا المَقَامِ اشْتَهَرَتْ قِصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي هَاجَرَ مِنْ أَجْلِ امْرَأَةٍ؛ فَسُمِّيَ تَبَعًا لَهَا بِمُهَاجِرِ أُمِّ قَيسٍ (٣).

- الهِجْرَةُ مَعْنَاهَا: التَّرْكُ، وَالهِجْرَةُ إِلى: مَعْنَاهَا الانْتِقَالُ إِلى.

وَالهِجْرَةُ إِلَى اللهِ: هِيَ الإِخْلَاصُ وَابْتِغَاءُ مَا عِنْدَهُ تَعَالَى. وَالهِجْرَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هِيَ اتِّبَاعُهُ، وَالهِجْرَةُ بِمَعْنًى آخَرَ فِي الشَّرْعِ: تَرْكُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ (٤).


(١) وَيُمْكِنُ القَولُ أَيضًا: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ تَقَرُّبًا وَطَاعَةً، وَإِلَى رَسُولِهِ مُتَابَعَةً.
(٢) دُنْيَا: مُؤَنَّثُ أَدْنَى، مِثْلُ: أَحْسَنُ وَحُسْنَى. وَالدُّنْيَا مِنَ الدُّنُوِّ، وَلَيسَتْ مِنَ الدَّنَاءَةِ.
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: "وَقِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيسٍ رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ: "مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيئًا؛ فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ، هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيسٍ؛ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ: مُهَاجِرُ أُمِّ قَيسٍ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الأَعْمَشِ بِلَفْظِ: (كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قَيسٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ؛ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا؛ فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيسٍ). وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيخَينِ، لَكِنْ لَيسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ الأَعْمَالِ سِيقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ". فَتْحُ البَارِي (١/ ١٠).
(٤) كَمَا فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ (٢٣٩٦٧) مِنْ حَدِيثِ فُضَالَةِ بْنِ عُبَيدٍ مَرْفُوعًا: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الخَطَايَا وَالذُّنُوبَ». الصَّحِيحَةُ (٥٤٩).

<<  <   >  >>