للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَولُهُ: «وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيكُم عَبْدٌ» (١) كَيفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا مَعَ النُّصُوصِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ يُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطٌ مِنْهَا: أَنَّ يَكُونَ قُرَشِيًّا (٢)، وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا (٣)؟!

الجَوَابُ مِنْ أَوجُهٍ:

١ - أَنَّ الحَدِيثَ جَاءَ لِضَرْبِ المَثَلِ فِي المُبَالَغَةِ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَقَدْ يُضْرَبُ المَثَلُ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَمَا فِي الحَدِيثِ «مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا -وَلَو كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ- بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا فِي الجَنَّةِ» (٤) (٥).

٢ - أَنَّ قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ تَأَمَّرَ» مَعْنَاهُ صَارَ أَمِيرًا بِالتَّغَلُّبِ، أَي: لَيسَ بِالاخْتِيَارِ، فَلَا يَجُوزُ اخْتِيَارُهُ عَلَى هَذِهِ الحَالِةِ ابْتِدَاءً؛ وَلَكِنْ إِنْ تَغَلَّبَ وَصَارَ أَمِيرًا بِالقُوَّةِ وَالسَّيفِ قَهْرًا فَهُنَا يَكُون لَهُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ.

٣ - أَنَّ كَونَهُ عَبْدًا؛ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَلَيسَ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، يَعْنِي لَا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ الآنَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.


(١) «حَبَشِيٌّ» كَمَا هُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ (٢٦٧٦) فِي سُنَنِهِ.
(٢) كَمَا فِي البُخَارِيِّ (٣٥٠١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ اثْنَانِ».
وَعِنْدَ أَحْمَدَ (١٢٩٠٠) عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «الأئِمَّةُ مِنْ قرَيشٍ». صَحِيحُ الجَامِعِ (٢٧٥٧).
(٣) قَالَ الشَّيخُ عَبْدُ المُحْسِنِ العَبَّادِ حَفِظَهُ اللهُ: "وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ العَبْدَ لَيسَ أَهْلًا لِلخِلَافَةِ". فَتْحُ القَوِيِّ المَتِينِ فِي شَرْحِ الأَرْبَعِينَ (ص: ٩٧).
(٤) صَحِيحٌ. ابْنُ مَاجَه (٧٣٨) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٦١٢٨).
وَ (القَطَاةُ): نَوعٌ مِنَ اليَمَامِ، وَالمَعْنَى: المَوضِعُ الَّذِي تَتَّخِذُهُ لِبَيضِهَا. المُفْهِمُ لِلْقُرْطُبِيِّ (٤/ ١٤٣).
(٥) المُفْهِمُ لِلْقُرْطُبِيِّ (٤/ ٣٧).

<<  <   >  >>