للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَلَمَّا اسْتَيقَظَ جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلَا آذَنْتَنَا حَتَّى نَبْسُطَ لَكَ عَلَى الحَصِيرِ شَيئًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟! مَا أَنَا وَالدُّنْيَا؟! إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (١).

- وَأَمَّا الزُّهْدُ بِمَا فِي أَيدِي النَّاسِ فَقَدْ تَكَاثَرَتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالأَمْرِ بِالاسْتِعْفَافِ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ وَالاسْتِغْنَاءِ عَنْهُم (٢)، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ مَا بِأَيدِيهِم كَرِهُوهُ وَأَبْغَضُوهُ، لِأَنَّ المَالَ مَحْبُوبٌ لِنُفُوسِ بَنِي آدَمَ؛ فَمَنْ طَلَبَ مِنْهُم مَا يُحِبُّونَهُ كَرِهُوهُ لِذَلِكَ، وَمَنِ اسْتَعَفَّ عَمَّا فِي أَيدِي النَّاسِ أَحَبُّوهُ.

قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِأَهْلِ البَصْرَةِ: مَنْ سَيِّدُ أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ؟ قَالُوا: الحَسَنُ، قَالَ: بِمَ سَادَهُم؟ قَالُوا: احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ، وَاسْتَغْنَى هُوَ عَنْ دُنْيَاهُم (٣).

- وَفِي الحَدِيثِ فَائِدَةٌ: أَنَّهُ لَا بَاسَ بِالسَّعْي فِيمَا تُكْتَسَبُ بِهِ مَحَبَّةُ العِبَادِ مِمَّا لَيسَ بِمُحَرَّمٍ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيهِ الأَمْرُ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ أَيضًا (٤)، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ جَوَالِبِ المَحَبَّةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الشَّارِعُ.


(١) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (٣٧٠٩) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٦٦٨).
(٢) وَفِي الحَدِيثِ «وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١٤٢٧) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا.
(٣) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٢٠٦).
(٤) كَمَا فِي الحَدِيثِ «لَا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٥٤) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.

<<  <   >  >>