للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ قَولُهُ: عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ» هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ دُونَ اعْتِبَارٍ لِلفِتْنَةِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ؟

الجَوَابُ: " لَا، بَلْ إِذَا خَافَ فِي ذَلِكَ فِتْنَةً فَلَا يُغَيَّرْ، لِأَنَّ المَفَاسِدَ يُدْرَأُ أَعْلَاهَا بِأَدْنَاهَا، كَمَا لَو كَانَ يَرَى مُنْكَرًا يَحْصُلُ مِنْ بَعْضِ الأُمَرَاءِ -وَيَعْلمُ أَنَّهُ لَو غَيَّرَ بِيَدِهِ اسْتَطَاعَ- وَلَكِنْ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ إِمَّا عَلِيهِ هُوَ، وَإِمَّا عَلَى أَهْلِهِ، وَإِمَّا عَلَى قُرَنَائِهِ مِمَّنْ يُشَارِكُونَهُ فِي الدَّعْوَةِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ، فَهُنَا نَقُولُ: إِذَا خِفْتَ فِتْنَةً فَلَا تُغَيِّرْ، لِقَولِهِ تَعَالَى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيرِ عِلْمٍ} [الأَنْعَام: ١٠٨] " (١).

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: " يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِّ آلِهَةِ المُشْرِكِينَ -وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ- إِلَّا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلِيهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا؛ وَهِيَ مُقَابَلَةُ المُشْرِكِينَ بِسَبِّ إِلَهِ المُؤْمِنِينَ -وَهُوَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ-" (٢).

وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي مَعْرِضِ الإِنْكَارِ عَلَى الوُلَاةِ:

" وَأَمَّا الخُرُوجُ عَلَيهِمْ بِالسَّيفِ؛ فَيُخْشَى مِنْهُ الفِتَنُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى سَفْكِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.

نَعَمْ؛ إِنْ خَشِيَ فِي الإِقْدَامِ عَلَى الإِنْكَارِ عَلَى المُلُوكِ أَنْ يُؤْذِيَ أَهْلَهُ أَو جِيرَانَهُ؛ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَدِّي الأَذَى إِلَى غَيرِهِ، كَذَلِكَ قَالَ الفُضَيلُ بْنُ عِيَاضٍ وَغَيرُهُ.

وَمَعَ هَذَا؛ فَمَتَى خَافَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ السَّيفَ أَوِ السَّوطَ أَوِ الحَبْسَ أَوِ القَيدَ


(١) شَرْحُ الأَرْبَعِينَ لِابْنِ عُثَيمِينَ (ص: ٣٣٦).
(٢) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٣/ ٣١٤).

<<  <   >  >>