للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الفَقِيهُ أَبُو اللَّيثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: " قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي تَوْبَةِ الْمُغْتَابِ؛ هَلْ تَجُوزُ مِنْ غَيرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ؟

قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ؛ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِه.

وَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى وَجْهَينِ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَدْ بَلَغَ إِلَى الَّذِي اغْتَابَهُ؛ فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ؛ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُضْمِرَ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ.

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: إِنِّي اغْتَبْتُكَ؛ فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ. فَقَالَ: وَكَيفَ أُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ؟! فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِحْلَالِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إِلَى صَاحِبِهِ تِلْكَ الْغِيبَةُ؛ فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبَ إِلَيهِ، وَلَا يُخْبِرُ صَاحِبَهُ! فَهُوَ أَحْسَنُ لِكَيلَا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ بِهِ" (١).

وَقَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ: " إذَا اغْتَابَهُ أَوْ قَذَفَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ؛ فَقَدْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ تَوْبَتِهِ إعْلَامُهُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد" (٢).

وَقَالَ الإِمَامُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: " وَالَّذِينَ قَالُوا لَا بُدَّ مِن إِعْلَامِهِ جَعَلُوا الغِيبَةَ كَالحُقُوقِ المَالِيَّةِ، وَالفَرْقُ بَينَهُمَا ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ الحُقُوقَ المَالِيَّةَ يَنْتَفِعُ المَظْلُومُ بِعَودِ نَظِيرِ مَظْلِمَتِهِ إِلَيهِ؛ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا، وَأَمَّا فِي الغِيبَةِ فَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ! وَلَا يَحْصُلُ لَهُ بِإِعْلَامِهِ إِلَّا عَكْسَ مَقْصُودِ الشَّارِعِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ يُوغِرُ صَدْرَهُ، وَيُؤْذِيهِ إِذَا سَمِعَ مَا رُمِي بِهِ، وَلَعَلَّهُ يُهَيِّجُ عَدَاوَتَهُ وَلَا يَصْفُو لَهُ أَبَدًا! وَمَا كَانَ هَذَا


(١) تَنْبِيهُ الغَافِلِينَ (ص: ١٦٦).
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٨/ ١٨٩).

<<  <   >  >>