للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَو تَعْمَلْ بِهِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَهْمَا حَدَّثَ المَرْءُ نَفْسَهُ بِهِ لَا يُؤَاخَذُ عَلَيهِ؟

الجَوَابُ: هَذَا هُوَ الأَصْلُ؛ إِلَّا إِنْ كَانَ هَذَا الحَدِيثُ عَمَلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ مِنْ أَعْمَالِ القُلُوبِ، فَمَا يَعْقِدُ القَلْبُ عَلَيهِ وَيُصَمِّمُ عَلَى صِحَّتِهِ وَيَدُومُ فِيهِ وَيُسَاكِنُهُ فَهُوَ يَاثَمُ بِهِ إِنْ كَان مُحَرَّمًا؛ وَقَدْ يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ، كَالشَّكِّ فِي الوَحْدَانِيَّةِ أَوِ النُّبُوَّةَ أَوِ البَعْثِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، أَوِ اعْتِقَادِ تَكْذِيبِ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ يُعَاقَبُ عَلَيهِ العَبْدُ، وَيَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا أَو مُنَافِقًا.

وَيُلْحَقُ بِهَذَا القِسْمِ سَائِرُ المَعَاصِي المُتَعَلِّقَةِ بِالقُلُوبِ، كَمَحَبَّةِ مَا يُبْغِضُهُ اللهُ، وَبُغْضِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَالكِبْرِ، وَالعُجْبِ، وَالحَسَدِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النُّور: ١٩]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى أَيضًا: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحَجّ: ٢٥].

وَفِي الأَثَرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} قَالَ: " لَو أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِإِلْحَادٍ -وَهُوَ بِعَدَن أَبْينَ (١) لَأَذَاقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَذَابًا أَلِيمًا" (٢).

قَالَ الإِمَامُ القَصَّابُ رَحِمَهُ اللهُ (٣): " وَمِنْهَا: أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْأَلُ عَنِ


(١) عَدَنُ أَبْيَن: مَدِينَةٌ فِي أَقْصَى اليَمَنِ.
(٢) مُسْنَدُ أَحْمَد (٤٠٧١). وَصَحَّحَ الإِمَامُ أَحْمَدُ شَاكِر رَفْعَهُ -زِيَادَةً عَلَى صِحَّةِ وَقْفِهِ-.
(٣) عِنْدَ قَولِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإِسْرَاء: ٣٦].

<<  <   >  >>