للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- المَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ فِي الحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى عِلْمِ المَلَكِ بِمَا فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ؟

الجَوَابُ: نَعَم، وَلَكِنَّ هَذَا حَاصِلٌ بِإطْلَاعِ اللهِ تَعَالَى لَهُ.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: " فِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المَلَكَ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي قَلْبِ الآدَمِيِّ، وَذَلِكَ إِمَّا بِإِطْلَاعِ اللهِ إِيَّاُه عَلَى ذَلِكَ أَو بِأَنْ يَخْلِقَ لَهُ عِلْمًا يُدْرِكُ بِهِ ذَلِكَ" (١).

قُلْتُ: وَسَبَبُ هَذَا الجَوابِ الَّذِي تَقَدَّمَ بِهِ الحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ هُوَ كَونُ عِلْمِ مَا فِي الصُّدُورِ خَاصٌّ بِاللهِ تَعَالَى؛ وَأَنَّهُ مِنَ الغَيبِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ اللهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فَاطِر: ٣٨]، فَلَيسَ بِغَرِيبٍ أَنْ يُمَكِّنَ اللهُ تَعَالَى المَلَكَ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا إِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيسَ بِمَلَكٍ: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأَنْعَامُ: ٥٠].

قَالَ الإِمَامُ البَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " {لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ} أَي: خَزَائِنُ رِزْقِهِ فَأُعْطِيكُم مَا تُرِيدُونَ، {وَلَا أَعْلَمُ الغَيبَ} فَأُخْبِرُكُم بِمَا غَابَ مِمَّا مَضَى وَمِمَّا سَيَكُونُ، {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ المَلَكَ يَقْدِرُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيهِ الآدَمِيُّ وَيُشَاهِدُ مَا لَا يُشَاهِدُهُ الآدَمِيُّ" (٢).


(١) فَتْحُ البَارِي (١١/ ٣٢٥).
(٢) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (٣/ ١٤٥).

<<  <   >  >>