للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَعِزِّهِم، فَالدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ ولَيسَتْ دَارَ مَقَرٍّ، وَفِي الحَدِيثِ «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا! مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (١) (٢).

٣ - أَنَّ الغَرِيبَ المُقِيمَ فِي بَلَدِ غُرْبَةٍ؛ هَمُّهُ التَّزَوُّدُ لِلرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ، وَلَا يَهْتَمُّ بِإِعْمَارِ دَارِ غُرْبَتِهِ وَتَحْسِينِ مَسْكَنِهِ وَالاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ تَارِكُهُ، وَفِي الحَدِيثِ «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيهِ مِنْ مَالِهِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيهِ. قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ» (٣).

- التَّوجِيهُ النَّبَوِيُّ بِأَنْ يَكُونَ العَبْدُ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُ عَابِرُ سَبِيلٍ هُوَ مِنْ وَجْهَينِ:

١ - أَنَّ عَابِرَ السَّبِيلِ أَقَلُّ تَعَلُّقًا بِمَسْكَنِهِ وَمَتَاعِهِ مِنَ الغَرِيبِ؛ لِأَنَّ الغَرِيبَ قَدْ يَجْلِسُ مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ ثُمَّ يَرْحَلُ، أَمَّا عَابِرُ السَّبِيلِ فَهُوَ غَيرُ جَالِسٍ أَبَدًا، بَلْ هُوَ مَارٌّ مِنْ غَيرِ مُكْثٍ فِي مَكَانِهِ أَصْلًا.

٢ - أَنَّ عَابِرَ السَّبِيلِ أَسْرَعُ وَأَخَفُّ حَرَكَةً مِنَ الغَرِيبِ لِأَنَّهُ قَلِيلُ المَتَاعِ، وَهَذِهِ القِلَّةُ مِنَ المَتَاعِ فِي الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِهَا.

- إنَّ عَطْفَ عَابِرِ السَّبِيلِ عَلَى الغَرِيبِ لَيسَ مِنْ بَابِ الشَّكِّ، وَلَا مِنْ بَابِ


(١) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٣٧٧) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٥٦٦٨).
(٢) قَالَ ابْنُ دَقِيق العِيد رَحِمَهُ اللهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الأَرْبَعِينَ (ص: ١٣٣): "قَالَ ابْنُ هُبَيرَةَ رَحِمَهُ اللهُ: حَضَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالغَرِيبِ، لِأَنَّ الغَرِيبَ إِذَا دَخَلَ بَلْدَةً لَمْ يُنَافِسْ أَهْلَهَا فِي مَجَالِسِهِم، وَلَا يَجْزَعُ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ فِي المَلْبُوسِ".
وَابْنُ هُبَيرَةَ: هُوَ يَحْيَى بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيبَانِيُّ؛ أَبُو المُظَفَّرِ، مِنْ عُلَمَاءِ الحَنَابِلَةِ الفُحُولِ، لَهُ كِتَابُ (الإِفْصَاحُ) شَرْحُ صَحِيحَي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَكَانَ وَزِيرًا لِلدَّولَةِ؛ سَلَفِيًّا أَثرِيًّا، (ت ٥٦٠ هـ). اُنْظُرِ السِّيَرَ لِلذَّهَبِيِّ (٣٩/ ٤٤٣).
(٣) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٦٤٤٢) فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا.

<<  <   >  >>