للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَرْتِيبَ مَا أُخْبِرَ بِهِ" (١).

وَهَذَا لَهُ نَظَائِرُ فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَولُ اللهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السَّجْدَة: ٧ - ٩]، فَهُنَا أَخَّر ذِكْرَ نَفْخِ الرُّوحِ مَعَ أَنَّهُ بَينَهُمَا؛ لِأَجْلِ أَنْ يَتَنَاسَبَ ذِكْرُ الأَطْوَارِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الإِنْسَانُ فِي تَكْوِينِهِ، وَهِيَ الطَّينُ ثُمَّ المَاءُ.

- أَلْفَاظُ تَكْوِينِ المَخْلُوقِ هِيَ: التَّصْوِيرُ، وَالخَلْقُ، وَالبَرْءُ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ} [الحَشْر: ٢٤].

فَالمُصَوِّرُ مَعْنَاهُ: الَّذِي يَجْعَلُ الشَّيءَ عَلَى هَيئَةِ صُورَةٍ مُخَطَّطَةٍ.

وَالخَلْقُ أَي: خَلْقُ الجَنِينِ؛ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مَقَادِيرَهُ مِنَ الأَطْرَافِ وَالأَعْضَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالبَرْءُ: أَنْ يَكُونَ تَامًّا، يَعْنِي: أَنْ يَبْرَأَ مَا سَبَقَ، وَهَذَا فِي الجَنِينِ وَاضِحٌ (٢).


(١) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (١/ ١٦٣).
قُلْتُ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهُمَا كِتَابَتَانِ كَابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (التِّبْيَانُ فِي أَقْسَامِ القُرْآن) (ص: ٣٤٩).
(٢) وَقَالَ الشَّيخُ الغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوحِيدِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (١/ ٢٩١): "فَالخَلْقُ فِي اسْمِ اللهِ تَعَالَى هُوَ: ابْتِدَاءُ تَقْدِيرِ النَّشْءِ. فَاللهُ تَعَالَى خَالِقُهَا، وَمُنْشِئُهَا، وَهُوَ مُتَمِّمُهَا وَمُدَبِّرُهَا؛ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ.
{البَارِئُ} يُقَالُ: بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ إِذَا فَطَرَهُم. وَالبَرْءُ: خَلْقٌ عَلَى صِفَةٍ، فَكُلُّ مَبْرُوءٍ مَخْلُوقٌ، وَلَيسَ كُلُّ مَخْلُوقٍ مَبْرُوءًا، لِأَنَّ البَرْءَ مِنْ تَبْرِئَةِ الشَيءِ مِنَ الشَيءِ، كَمَا يُقَالُ: بَرَاتُ مِنَ المَرَضِ وَمِنَ الدَّينِ، فَإِذَا فُصِلَ بَعْضُ الخَلْقِ مِنْ بَعْضٍ سُمِّيَ فَاعِلُهُ بارِئًا، فَهُوَ المَعْنَى الَّذِي بِهِ انْفَصَلَتِ الصُّورَةُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَصُورَةُ زَيدٍ مُفَارِقَةٌ لِصُورَةِ عَمْرو، وَصُورَةُ حِمَارٍ مُفَارِقَةُ لِصُورَةِ فَرَسٍ؛ فَتَبَارَكَ اللهُ خَالِقًا بَارِئًا.
{المُصَوِّرُ} أَي: مُصَوِّرُ كُلِّ صُورَةٍ لَا عَلَى مِثَالٍ احْتَذَاهُ وَلَا رَسْمٍ ارْتَسَمَهُ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا".

<<  <   >  >>