للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدر الله ترتيب المسبَبَات على الأسباب، ما يجيء لك ولد إلا إذا تزوجت، ولا يعقل أن تقول: إنْ كتب الله لي ولدا فسيأتي ولو لم أتزوج! أو تترك طلب الرزق وتقول: إنْ كتب الله لي رزقا سيأتيني وأنا نائم! نعم قد يكون؛ لكن ليس هذا موجب العقل والفطرة والشرع؛ بل موجب العقل والفطرة والشرع: أن تسعى في طلب الرزق، ولو توكلت على الله، فلا بد لك من الأخذ بالأسباب، وأعظم من ذلك أمر السعادة، فلا تكون السعادة إلا بأسبابها وهي الإيمان والعمل الصالح، ولا يمكن أن يكون الإنسان سعيدًا إلا بالأسباب، فمن تحققت له أسباب السعادة فنعلم بذلك أنه قد سبق علم الله وكتابه بسعادته.

وقوله: (وما أخطأ العبدَ لم يكن ليصيبَه وما أصابه لم يكن ليخطئه).

هذا تأكيد، وقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) (١) فما حصل لك من خير أو شر فقد سبق في علم الله وكتابه أنه يصيبك ويحصل لك، وما أخطأك وما فاتك وما سلمت منه فقد سبق علم الله وكتابه بذلك، ولم يكن في علم الله وكتابه أنه يصيبك ثم يخطئك.

وقوله: (وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمُه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب، ولا مزيل ولا مغير، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه).

هذه الجملة تؤكد ما سبق، وهي أعم من قوله: (وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة،


(١) رواه أحمد ٥/ ١٨٢، وأبو داود (٤٦٩٩)، وابن ماجه (٧٧)، وابن حبان (٧٢٧) من حديث ابن الديلمي عن أبي بن كعب، وابن مسعود، وحذيفة موقوفا، ورفعه زيد بن ثابت رضي الله عنهم، وقال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبير ٨/ ٤٢١٣: إسناده صالح، وصححه ابن القيم في شفاء العليل ص ١١٣. وانظر: السلسلة الصحيحة (٢٤٣٩).

<<  <   >  >>