للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكتوب؛ لكن قبل الوقوع لا ندري إلا أن يأتي فيه خبرٌ من معصوم.

وقوله: (لو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنًا لم يقدروا عليه] يعني: لو اجتمع الخلق على أن يغيروا ما سبق به علم الله وكتابه لم يقدروا، وهذا معلوم بالضرورة أن الخلق لا يقدرون على تغيير قدر الله، ومن أدلة ذلك ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) (١) فالأمر قد فرغ منه، وهذا يوجب للعبد أن يعلق رجاءه وخوفه بربه لا بالأسباب ولا بالعباد؛ لأن العباد إن نفعوك فالله هو الذي أجرى تلك المنفعةَ على أيديهم، وأقدرهم عليها، وجعلهم يريدونها، وهيأ لهم أسبابها، وإن حصلت لك مضرة على يد أحد؛ فاعلم أن هذا بتقدير الله، فلا تغفلْ عن الله وتعلقْ قلبك بهم فتخافهم ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ)) [العنكبوت: ١٠].

وقوله: (جف القلم بما هو كائن) جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (جف القلم بما أنت لاقٍ) (٢) جف القلم: هذه كناية عن الفراغ من الأمر الذي سبق به القدر، فكل ما يجري في الوجود فقد سبق به علم الله وكتابه، لكن نؤكد على أن الله قضى بحكمته وعلمه وكتابه، إن هذه الأقدار متربط بعضها ببعض، ومن


(١) رواه أحمد ١/ ٢٩٣، والترمذي (٢٥١٦) ـ وقال: حسن صحيح ـ، والضياء في المختارة ١٠/ ٢٢ - ٢٥، وحسنه الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص ٣٤٥.
(٢) رواه البخاري تعليقا (٥٠٧٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>