وكذلك النار جاء فيها ما يدل على الدوام، قال تعالى:((يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)) [المائدة: ٣٧]، وقال تعالى:((كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرَاً)) [الإسراء: ٩٧]، ((كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا)) [الحج: ٢٢].
وذهبت الجهم بن صفوان ومن تبعه إلى فناء الجنة والنار، فعندهم أن المخلوقات يمتنع دوامها في الماضي، وكذلك دوامها في المستقبل.
وأجمع أهل السنة إجماعا قطعيا وسائر الفرق ما عدا الفرقة الضالة الجهمية إلى دوام الجنة، وأما النار فجمهور أهل السنة وسائر الطوائف على دوامها كذلك، وفيها قول آخر ذكره ابن القيم، فقد عُني ـ رحمه الله ـ بالكلام على هذه المسألة (١) كعادته في البحث إذا بحث مسألة أبدع فيها، وأتى بكل ما يمكن من الاستدلال والحوار، والجواب والمناقشات في سائر المسائل الخلافية التي يتعرض لها، يذكر كل ما للطائفتين من حجج واستدلالات وتوجيهات، ويقابل بينهما ويناقشهما، فتارة يرجح ترجيحا ظاهرا وبقوة، وتارة يعرض ويقف، وإذا عرض لأحد القولين يقول القائل: إنه يختار هذا، فإذا عرض القول الآخر قال: كأنه يختار الثاني، والذي يظهر أنه هكذا وقع له في
(١) «حادي الأرواح» ٢/ ٧٣٠ - ٧٩٢، و «شفاء العليل» ص ٢٥٤ - ٢٦٤، و «مختصر الصواعق» ٢/ ٦٣٧ - ٦٨٥، وقبله شيخ الإسلام في كتابه «الرد على من قال بفناء الجنة والنار».