للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عندهم العبرة بعموم باللفظ لا بخصوص السبب، لا بخصوص السبب؛ السبب ينفي صورة واحدة واقعة، نعم، فهل نقول: العبرة باللفظ، واللفظ يدل على ما ذكره عروة -كما يقرر أهل العلم، بل نقل جمع منهم الاتفاق على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب-، أو نقول: إن من الأحكام ما يلزم فيه الرجوع إلى السبب، لا سيما عند التعارض، كالمتفق على قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يكون العموم معارض بما هو أقوى منه، فيلجأ إلى السبب.

نظير ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب))، يدل على أن من صلى قاعداً وهو يستطيع القيام فإن صلاته ليست بصحيحة –باطلة-، وعموم الحديث يشمل الفرض والنفل، لكن هذا العموم معارض بحديث آخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، وعموم الحديث الثاني يتناول الفرض والنفل، ويتناول المستطيع وغير المستطيع، ولو قيل: إنه ظاهر في المستطيع لما بعد؛ لأن غير المستطيع لا ينقص أجره، لأنه لا يكلف أكثر مما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، فعموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يتناول الفرض والنفل، لكن هذا العموم معارض بحديث عمران بن حصين، ومع هذا التعارض نحتاج إلى سبب الورود، وألغينا العموم، وقصرنا اللفظ العام على سببه؛ لأنه معارض بما هو أقوى منه.

وإذا نظرنا في السبب وجدنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المدينة وهي محمَّة -وهذا أيضاً يدل على أن المحمى لم ترتفع عنها بالكلية- دخل المسجد والمدينة محمة، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل سبب الورود على أن النص بالنسبة لصلاة النفل؛ لأنهم لا يصلون قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام- الفريضة فهم يتنفلون.

<<  <  ج: ص:  >  >>