بئس ما قلت يا ابن أختي؛ طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطاف المسلمون فكانت سنة: يعني سنة ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وليس هذا الحكم الذي اصطلح عليه العلماء الذي لا يأثم تاركه، وإنما هو سنة باعتباره من فعله -عليه الصلاة والسلام- فسنته أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة أو ركناً أو شرطاً، أعم من هذا كله.
وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأنزل الله -عز وجل-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(١٥٨) سورة البقرة]، ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما".
قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أحد الفقهاء السبعة، وعروة منهم أيضاً.
فأعجبه ذلك، وقال: "إن هذا العلم": أسلوب حصر، يعني هذا العلم الكامل الدقيق والفهم الثاقب.
ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت: يعني فقط، ولم نؤمر:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(٢٩) سورة الحج].
إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة: إنما جاء فيها فلا جناح عليه أن يطوف بهما، فأنزل الله -عز وجل-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ}، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء: يعني الذين لا يرون وجوب أو ركنية السعي.