ثم جاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله، لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال:((ارم ولا حرج))، قال: فما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:((افعل ولا حرج)): مقتضى هذا مع ما تقدم من جواز الانصراف بعد نصف الليل للضعفة -والجمهور يجيزونه لغيرهم أيضاً، لكن الأولى البقاء إلى الإسفار- مقتضى هذا أن الإنسان ينحر، له أن ينحر قبل صلاة الصبح وقبل صلاة العيد ينحر الهدي؛ لأن له أن يرمي، أليس له أن يرمي؟! له أن يرمي، فإذا كان له أن يرمي وجاز له أن يقدم النحر على الرمي مقتضى ذلك أن له أن ينحر قبل وقت النحر، وبهذا يقول الشافعية، بل عندهم –الشافعية- الأمر أوسع من ذلك من انعقاد سبب الوجوب يجوز له النحر، ورواية عند الحنابلة، لكن المحقق والأحوط أن يكون وقت نحر الهدي هو وقت نحر الأضحية، هذا هو الأحوط.
قال: فما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:((افعل ولا حرج)): والمتوقع أن من هؤلاء الذين سألوا من لم يتصف بالوصف، وهو الذهول والغفلة والنسيان والجهل، منهم من فعل ذلك ارتفاقاً.
وحدثني حرملة بن يحيى، قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني عيسى بن طلحة التيمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته فطفق ناس يسألونه، فيقول القائل منهم: يا رسول الله لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر فنحرت قبل الرمي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فارم ولا حرج))، قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر، فيقول:((انحر ولا حرج))، قال: فما سمعته يُسأل يومئذ، عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((افعلوا ذلك ولا حرج)): منهم من جعل القيد مؤثر مما ينسى المرء ويجهل، يعني مما من شأنه أن ينسى أو يجهل، لكن القاعدة العامة أنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:((افعل ولا حرج)).