للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنتَ راءٍ! قالا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهْرِ، وَإِذَا هُوَ نَهْرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كأنَّ ماءهُ المَحْضُ في البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ. ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا في أحْسَنِ صُورَةٍ» قَالَ: «قالا لِي: هذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وهذاك مَنْزِلُكَ، فسَمَا بَصَري صُعُدًا، فإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيضاءِ، قالا لي: هذاكَ مَنْزلكَ؟ قلتُ لهما: باركَ اللهُ فيكُما، فذَراني فأدخُلَه. قالا لي: أمَّا الآنَ فَلَا، وأنتَ دَاخِلُهُ، قُلْتُ لَهُمَا: فَإنِّي رَأيتُ مُنْذُ اللَّيْلَة عَجَبًا؟ فما هَذَا الَّذِي رأيتُ؟ قالا لي: أمَا إنَّا سَنُخْبِرُكَ: أَمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ (١)، ويَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ. وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، ومِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكِذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ. وأمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُراةُ الَّذِينَ هُمْ في مثْلِ بناءِ التَّنُّورِ، فَإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّواني، وأما الرجلُ الذي أتيتَ عَليهِ يَسْبَحُ في النهرِ، ويلقم الحجارةَ، فإنَّهُ آكلُ الربا، وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ (٢) المرآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فإنَّهُ مالكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ، وأمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ، فإنَّهُ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وأمَّا الولدان الَّذِينَ حَوْلَهُ، فكلُّ مَوْلُودٍ ماتَ عَلَى الفِطْرَةِ» وفي رواية البَرْقانِيِّ: «وُلِدَ عَلَى الفِطْرَةِ» فَقَالَ بعض المُسلمينَ: يَا رسولَ الله، وأولادُ المُشركينَ فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم: «وأولادُ المشركينَ، وأما القومُ الذينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبيحٌ، فإنَّهُمْ قَومٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، تَجاوَزَ الله عنهم». رواه البخاري. (٣)

وفي روايةٍ لَهُ: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي فأخْرَجَانِي إِلَى أرْضٍ مُقَدَّسَةٍ» ثُمَّ ذَكَرَهُ وقال: «فَانْطَلَقْنَا إِلَى نَقْبٍ مثلِ التَّنُّورِ، أعْلاهُ ضَيِّقٌ وَأسْفَلُهُ واسِعٌ؛ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نارًا، فإذا ارْتَفَعَتِ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، وَإِذَا خَمَدَتْ! رَجَعُوا فِيهَا، وفيها رِجالٌ ونِساءٌ عراةٌ». وفيها: «حَتَّى أتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ مِنْ دَمٍ» ولم يشكَّ «فِيهِ رَجُلٌ قائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهْرِ وعلى شطِّ النَّهرِ رجلٌ، وبينَ يديهِ حِجارةٌ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهرِ، فَإذَا أرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ في فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ جَعَلَ يَرْمِي


(١) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس».
(٢) قال الحافظ في الفتح: «إنما كان كريه الرؤية؛ لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار».
(٣) أخرجه: البخاري ٢/ ١٢٥ - ١٢٧ (١٣٨٦) و٩/ ٥٦ - ٥٨ (٧٠٤٧).

<<  <   >  >>