للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عظيم وشرك ظاهر، فإنه طلب أولاً أن لا يضيق به جاهه، ثم طلب هنا أن يأخذ بيده فضلاً وإحسانًا، وإلاّ فيا هلاكه! فيقال: كيف طلبت منه أولاً الشفاعة ثم طلبت منه هنا أن يتفضل عليك؟! فإن كنت تقول: إن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله، فكيف تدعو النبي صلى الله عليه وسلم وترجوه وتسأله الشفاعة؟! فهلا سألتها مَنْ له الشفاعة جميعًا الذي له ملك السموات والأرض الذي لا تكون الشفاعة إلا من بعد إذنه، فهذا يبطل عليك طلب الشفاعة من غير الله.

وإن قلت: ما أريد إلا جاهه، وشفاعته بإذن الله. قيل: فكيف سألته أن يتفضل عليك ويأخذ بيدك في يوم الدين، فهذا مضاد لقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} ١. فكيف يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذا وهذا؟! وإن قلت: سألته أن يأخذ بيدي، ويتفضل علي بجاهه وشفاعته. قيل: عاد الأمر إلى طلب الشفاعة من غير الله، وذلك هو محض الشرك.

السادس. في هذه الأبيات من التبري من الخالق - تعالى وتقدس - والاعتماد على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة ما لا يخفى علىمؤمن، فأين هذا من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ٢. وقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ٣. وقوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً} ٤. وقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} ٥.


١ سورة الانفطار آية: ١٩-٢٠-.
٢ سورة الفاتحة آية: ٥.
٣ سورة التوبة آية: ١٢٩.
٤ سورة الفرقان آية: ٥٨.
٥ سورة الجنّ آية: ٢١-٢٣.

<<  <   >  >>