للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وممن علل بخوف الفتنة والشرك الشافعي وأبو بكر الأثرم وأبو محمد المقدسي وشيخ الإسلام وغيرهم وهو الحق.

قوله: فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدًا، أي: لما علموا من تشديده في ذلك وتغليظه، ولعن من فعله، فكيف يتخذون على قبره مسجدًا؟ وإنما خشوا أن يعتاده بعض الجهال للصلاة عنده، من غير شعور من الصحابة بذلك، فلذلك دفنوه في بيته.

قوله: (وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدًا) ، أي: وإن لم يبن مسجدًا. قوله: "بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا"، الظاهر أن الأول في الأمكنة المعدة للصلاة، وإن لم يبن فيها مسجدًا. وهذا في أي موضع صلي فيه، وإن لم يعد لذلك، كالمواضع التي يصلي فيها المسافر ونحو ذلك. فعلى هذا إذا صلى عند القبور ولو مرة واحدة وإن لم يكن هناك مسجد، فقد اتخذها مساجد.

قوله: كما قال صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" ١ أي: فسمى الأرض مسجدًا، وليست مسجدًا مبنيًّا، لكن لما كان يسجد فيها سميت مسجدًا. فدل هذا الحديث أن من صلى عند القبور أو إليها فقد اتخذها مساجد. وهذا الحديث طرف من حديث صحيح متفق عليه عن جابر.

قال البغوي في "شرح السنة": أراد أن أهل الكتاب لم تبح لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، وأباح الله لهذه الأمة الصلاة حيث كانوا، تخفيفًا عليهم وتيسيرًا، ثم خص من جميع المواضع الحمام والمقبرة والمكان النجس.

وقوله: (طهورا) . أراد به التيمم. وفي حديث جندب من الفوائد أيضًا، العبرة في مبالغته صلى الله عليه وسلم في النهي عن بناء المساجد على القبور، كيف بيّن لهم ذلك أولاً، ثم قبل موته بخمس قال ما قال، ثم لما كان في النّزع لم يكتف بما تقدم، بل


١ البخاري: التيمم (٣٣٥) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١) , والنسائي: الغسل والتيمم (٤٣٢) والمساجد (٧٣٦) , وأحمد (٣/٣٠٤) , والدارمي: الصلاة (١٣٨٩) .

<<  <   >  >>