ولكن يبقى على هذا أن يقال: هذا جار في كل مشئوم فما وجه خصوصية هذه الثلاثة بالذكر؟ وجوابه أن أكثر ما يقع التطير في هذه الثلاثة فخصت بالذكر لذلك، ذكره في "شرح السنن".
ومنها ما روى مالك عن يحيى بن سعيد قال:"جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة" ١. رواه أبو داود عن أنس بنحوه.
وجوابه أن هذا ليس من الطيرة المنهي عنها، بل أمرهم بالانتقال لأنهم استثقلوها واستوحشوا منها، لما لحقهم فيها ليتعجلوا الراحة مما دخلهم من الجزع، لأن الله قد جعل في غرائز الناس استثقال ما نالهم الشر فيه، وإن كان لا سبب له في ذلك وحب من جرى على يديه الخير لهم، وإن لم يردهم به، ولأن مقامهم فيها قد يقودهم إلى الطيرة، فيوقعهم ذلك في الشرك، والشر الذي يلحق المتطير بسبب طيرته، وهذا بمنْزلة الخارج من بلد الطاعون غير فار منه، ولو منع الناس الرحلة من الدار التي تتوالى عليهم فيها المصائب والمحن، وتعذر الأرزاق مع سلامة التوحيد في الرحلة، للزم كل من ضاق عليه رزق في بلد أو قلة فائدة صناعته أو تجارته فيها أن لا ينتقل عنها إلى غيرها.
ومنها فإن قيل: ما الفرق بين الدار وبين موضع الوباء حيث رخص في الارتحال عن الدار دون موضع البلاء؟ أجاب بعضهم أن الأمور بالنسبة إلى هذا المعنى ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا يقع التطير منه إلا نادرًا، أو إلا مكررًا، فهذا لا يصغى إليه كنعي الغراب في السفر، وصراخ بومة في دار، وهذا كانت العرب تعتبره.
ثانيها: ما يقع به ضرر، ولكنه يعم ولا يخص ويندر ولا يتكرر كالوباء، فهذا لا يقدم عليه ولا يفر منه.
وثالثها: سبب محض ولا يعم ويلحق به الضرر لطول الملازمة كالمرأة، والفرس والدار فيباح له الاستبدال، أو التوكل على الله، والإعراض عما يقع في النفس ذكره في "شرح السنن".