ومنها:"حديث اللقحة لما منع النبي صلى الله عليه وسلم حربًا ومرة من حلبها وأذن ليعيش". رواه مالك.
وجوابه: أن ابن عبد البر قال: ليس هذا عندي من باب الطيرة لأنه محال أن ينهى عن شيء ويفعله، وإنما هو من طلب الفأل الحسن. وقد كان أخبرهم عن أقبح الأسماء أنه حرب ومرة. فالمراد بذلك حتى لا يتسمى بهما أحد. وقد روى ابن وهب في "جامعه" ما يدل على هذا فإنه قال في هذا الحديث: "فقام عمر بن الخطاب فقال: أتكلم يا رسول الله أم أصمت؟ فقال: بل اصمت وأخبرك بما أردت، ظننت يا عمر أنها طيرة ولا طير إلا طيره، ولا خير إلا خيره، ولكن أحب الفأل الحسن".
وعلى هذا تجري بقية الأحاديث التي توهم بعضهم أنها من باب الطيرة.
قوله:"ولا هامة"بتخفيف الميم على الصحيح. قال الفراء: الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني: البومة قال ابن الأعرابي: كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي أو أحدًا من أهل داري. وقال أبو عبيد: كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير، ويسمون ذلك الطائر الصدى، وبه جزم ابن رجب قال: وهذا شبيه باعتقاد أهل التناسخ أن أرواح الموتى تنتقل إلى أجساد حيوانات من غير بعث ولا نشور، وكل هذه اعتقادات باطلة جاء الإسلام بإبطالها وتكذيبها. ولكن الذي جاءت به الشريعة أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة وتشرب من أنهارها إلى أن يردها الله إلى أجسادها. وذكر الزبير بن بكار في "الموفقيات" أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا قتل الرجل، ولم يؤخذ بثأره، خرجت من رأسه هامة، وهي دودة فتدور حول قبره وتقول: اسقوني. وفي ذلك يقول شاعرهم:
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
قال: وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام ثم تذهب.