للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: هذا يدل على أن المراد بالكفر هنا هو الأكبر. قيل: ليس فيه دليل إذ الأصغر يصدر من الكفار.

قوله: "مؤمن بي وكافر". المراد بالكفر هنا هو الأصغر بنسبة ذلك إلى غير الله وكفران نعمته، وإن كان يعتقد أن الله تعالى هو الخالق للمطر المنَزل له بدليل قوله في الحديث "فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته ... "إلى آخره، فلو كان المراد هو الأكبر، لقال: أنزل علينا المطر نوء كذا، فأتى بباء السببية ليدل على أنهم نسبوا وجود المطر إلى ما اعتقدوه سببًا. وفي رواية: "فأما من حمدني على سقياي وأثنى علي، فذاك من آمن بي" ١. فلم يقل فأما من قال: إني المنَزل للمطر، فذاك من آمن بي، لأن المؤمنين والكفار يقولون ذلك. فدل على أن المراد إضافة ذلك إلى غير الله، وإن كان يعتقد أن الفاعل لذلك هو الله. وروى النسائي والإسماعيلي نحوه. وقال في آخره: "وكفر بي أو كفر نعمتي" وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند مسلم: "قال الله تعالى: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين" ٢. وله من حديث ابن عباس "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ... " ٣ الحديث. وفي حديث معاوية الليثي مرفوعًا: "يكون الناس مجدبين فينَزل الله عليهم رزقًا من رزقه فيصبحون مشركين، يقولون: مُطِرْنَا بنوء كذا" ٤. رواه أحمد، فبين الكفر والشرك المراد هنا بأن نسبة ذلك إلى غيره تعالى، بأن يقال: مطرنا بنوء كذا، قال ابن قتيبة: كانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطة النوء إما بصنعه على زعمهم، وإما بعلامته، فأبطل الشرع قولهم، وجعله كفرًا، فإن اعتقد قائل ذلك أن للنوء صنعًا في ذلك، فكفره كفر شرك، وإن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة، فليس بشرك، لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة، لأنه لم يقع في شيء من طرق الحديث بين الكفر والشرك واسطة، فيحمل الكفر فيه على المعنيين.


١ البخاري: الأذان (٨٤٦) والجمعة (١٠٣٨) والمغازي (٤١٤٧) , ومسلم: الإيمان (٧١) , والنسائي: الاستسقاء (١٥٢٥) , وأبو داود: الطب (٣٩٠٦) , وأحمد (٤/١١٦ ,٤/١١٧) , ومالك: النداء للصلاة (٤٥١) .
٢ أحمد (١/٢٨٣) .
٣ البخاري: الشروط (٢٧٢٩) , ومسلم: العتق (١٥٠٤) , وأبو داود: العتق (٣٩٢٩) , ومالك: العتق والولاء (١٥١٩) .
٤ أحمد (٢/١٦٩) , والدارمي: الرقاق (٢٧٢١) .

<<  <   >  >>