للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشافعي: من قال: مطرنا بنوء كذا على معنى مطرنا في وقت كذا، فلا يكون كفرًا، وغيره من الكلام أحب إلي منه.

قلت: قد يقال: إن كلام الشافعي لا يدل على جواز ذلك، وإنما يدل على أنه لا يكون كفر شرك، وغيره من الكلام أحسن منه. أما كونه يجوز إطلاق ذلك أو لا يجوز، فالصحيح أنه لا يجوز، لما تقدم أن معنى الحديث هو نسبة السقيا إلى الأنواء لفظًا، وإن كان القائل لذلك يعتقد أن الله هو المنَزل للمطر، فهذا من باب الشرك الخفي في الألفاظ، كقوله: لولا فلان لم يكن كذا، وفيه معنى قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} ١. فإن كثيرًا من النعم قد تجر الإنسان إلى شر، كالذين قالوا: مطرنا بنوء كذا بسبب نزول النعمة.

وفيه التفطن للإيمان في هذا الموضع. ذكره المصنف، يشير إلى أن المراد به هنا نسبة النعمة إلى الله وحمده عليها، كما في قوله تعالى: "فأما من حمدني على سقياي وأثنى علي فذاك مَنْ آمن بي"، وقوله: "فأما من قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته" الحديث.

وفيه أن من الكفر ما لا يخرج عن الملة. ذكره المصنف.

قوله: (فأما مَنْ قال: مُطِرْنَا بفضل الله ورحمته) . أي: من نسبه إلى الله واعتقد أنه أنزله بفضله ورحمته من غير استحقاق من العبد على ربه وأثنى به عليه، فقال: مطرنا بفضل الله ورحمته، وفي الرواية الأخرى: "فأما مَنْ حمدني على سقياي، وأثنى علي فذاك من آمن بي" ٢. وهكذا يجب على الإنسان أن لا يضيف نعم الله إلى غيره ولا يحمدهم عليها بل يضيفها إلى خالقها ومقدرها الذي أنعم بها على العبد بفضله ورحمته، ولا ينافي ذلك الدعاء لمن أحسن بها إليك، وذكر ما أولاكم من المعروف إذا سلم لك دينك، والسر في ذلك -والله أعلم- أن العبد يتعلق قلبه بمن يظن حصول الخير له من جهته وإن كان لا صنع له في ذلك، وذلك نوع شرك خفي فمنع من ذلك.


١ سورة البقرة آية: ٢١٦.
٢ البخاري: الأذان (٦٥٧) , وأحمد (٢/٤٧٢ ,٢/٤٧٩) .

<<  <   >  >>