للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصبر الواجب، والإضرار بالنفس من لطم الوجه، وإتلاف المال; بشق الثياب وتمزيقها وذكر الميت بما ليس فيه، والدعاء بالويل والثبور والتظلم من الله تعالى، وبدون هذا يثبت التحريم الشديد، فأما الكلمات اليسيرة إذا كانت صدقًا لا على وجه النوح والتسخط فلا تحرم، ولا تنافي الصبر الواجب. نص عليه أحمد لما رواه في مسنده عن [عائشة] "أن أبا بكررضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه، ووضع يديه على صدغيه وقال: وانبياه واخليلاه واصفياه" ١. وكذلك صح عن "فاطمة رضي الله عنها أنها ندبت أباها صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبتاه أجاب ربًّا دعاه". الحديث.

واعلم أن الحديث المشروح لا يدل على النهي عن البكاء أصلاً، وإنما يدل على النهي عما ذكر فيه فقط. وكذلك يدل على النهي عما في معناه كالبكاء برنة، وحلق الشعر، وخمش الوجوه، ونحو ذلك. أما البكاء على وجه الرحمة والرقة ونحو ذلك فيجوز، بل قال شيخ الإسلام: البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب، ولا ينافي الرضى بقضاء الله، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه.

قلت: ويدل لذلك قوله عليه السلام لما مات ابنه إبراهيم: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون" ٢. وهو في الصحيح وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى أحد بناته ولها صبي في الموت فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" ٣.


١ أحمد (٦/٣١) .
٢ البخاري: الجنائز (١٣٠٣) , ومسلم: الفضائل (٢٣١٥) , وأبو داود: الجنائز (٣١٢٦) , وأحمد (٣/١٩٤) .
٣ البخاري: التوحيد (٧٣٧٧) , ومسلم: الجنائز (٩٢٣) , والنسائي: الجنائز (١٨٦٨) , وأبو داود: الجنائز (٣١٢٥) , وأحمد (٥/٢٠٤ ,٥/٢٠٥ ,٥/٢٠٦) .

<<  <   >  >>