للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرًّا عليه من جهة ما أصابه في دينه، فإن من الناس من إذا ابتلي بفقر أو مرض أو جوع حصل له من الجزع والسخط والنفاق ومرض القلب، أو الكفر الظاهر، أو ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له ضررًا في دينه بحسب ذلك. فهذا كانت العافية خيرًا له من جهة ما أورثته المصيبة، لا من جهة المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبرًا وطاعة كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب عزّ وجل رحمة للخلق، والله تبارك وتعالى محمود عليها، فإن اقترن بها طاعة كان ذلك نعمة ثانية على صاحبها، وإن اقترن بها للمؤمن معصية، فهذا مما تتنوع فيه أحوال الناس كما تتنوع أحوالهم في العافية، فمن ابتلي فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه، وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه حيث قال: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ١. فحصل له غفران السيئات، ورفع الدرجات وهذا من أعظم النعم. فالصبر واجب على كل مصاب; فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك. انتهى ملخصًا.

قوله: "وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه"، أي: أخر عنه العقوبة بذنبه.

قوله: "حتى يوافي به يوم القيامة"، هو بضم الياء وكسر الفاء منصوبًا بحتى مبنيًّا للفاعل. قال العزيزي: "أي: لا يجازيه بذنبه في الدنيا حتى يجيء في الآخرة مستوفي الذنوب وافيها فيستوفي ما يستحقه من العقاب".

قلت: وهذا مما يزهد العبد في الصحة الدائمة خوفًا أن تكون طيباته عجلت له في الحياة الدنيا، والله تعالى لم يرض الدنيا لعقوبة أعدائه، كما لم يرضها لإثابة أوليائه بل جعل ثوابهم أن أسكنهم في جواره ورضي عنهم. كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} ٢. لهذا "لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم


١ سورة البقرة آية: ١٥٧.
٢ سورة القمر آية: ٥٤-٥٥.

<<  <   >  >>